عدالتِه وأسبابِ تزكيته، والنّاس مختلفونَ أيضاً في أسبابِ التزكيةِ والأفعالِ القادحةِ في المخبرِ، ولم يمنَعْ ذلك عندَهم بناءَ الإجماع على خبرِه، وحصولَ الاتفاقِ على الحكمِ الذي جاءَ بِه، على أنّه إذا جازَ اتفاقُ العددِ الكثيرِ والجمِّ الغفيرِ على شبهة مثل (١) اليهودُ والنصارى- وهما أُمَّتانِ عظيمتانِ- يستند اعتقادُهم لشُبْهةٍ ظاهرةِ العَوَارِ، فلا وجهَ لاستبعاد اجتماع العدد الكثيرِ، واتفاقِ أهلِ الإجماع على أمارةٍ، ومعلومٌ ما بينَ الأمارةِ والشبهةِ، وفارَقَ ما ذكروه مِن مثلِ الطِّباع والأمزجةِ، فإنّ الطّباعَ مع اختلافِها في أصلِ الخلقةِ مطلقةٌ لا معيقَ لها عن الاختلافِ، ولا داعيَ لها إلى الاتّفاقِ.
فأمّا فِى مسألتنا، فإنّ الأمارةَ الظاهرةَ تدعو إلى مدلولِها، وذلك وجهٌ للاجتماع والاتفاقِ، فيصيرُ كاتِّفاقِهم على جهةِ القِبلةِ وحضورِ الأعيادِ والجُمَع، لما كانَ هناكَ داعٍ -وهو الأمارةُ الدّالةُ- جمعت العددَ الكثيرَ.
وأمّا قولُهم: إنّ طريقَ القياسِ غامضٌ، ومسالكُه دقيقةٌ، فلا يكادُ يتفقُ النّاسُ على مقتضاهُ، فغيرُ صحيح، لأنّ أهلَ الإجماع هم أهلُ اجتهادٍ، ومعلومٌ ما نعتبرُه في أهلِ الاجتهادِ مِن العقلِ والدّينِ، ثُمّ الفهمِ والبحثِ، وبناءِ الأدلّةِ بعضِها على بعضٍ، وإلحاق الشيءِ بنظيرِه، فلا يكاد يشتبِهُ الأمرُ مع هذه الصفاتِ على أنْ يُلقى الَحكمُ مِن جهةِ السَّمع، فمعَ كونِ السَّمع مختلفاً بينَ تخليصِ المجازاتِ عنِ الحقائقِ والفحاوى، ودلائلِ