للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنها: أنَّ الله سبحانَه نصبَ أَدلَّةً على الإثباتِ، وحثَ على النَّظرِ فيها والتأمُّلِ لها، والاستدلالِ بها، وقد ذكِرَ ذلكَ في كثير من آي كتابه العزيزِ مثل قوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٥] {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} [الروم: ٨]، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢٠ - ٢١]، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧] إلى قوله: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية: ١٩] (١) ........ وإفساد وتطلّب لأسباب ما يَعرِض في العالَم من الأحوالِ وعللِ الأحكامِ، فهذا من داخل ثم نجد من خارج مذاهب مختلفة وأقاويل متكافئة، فلا طريق لنا إلى معرفة الصَّحيح والفاسد، وتخليصِ الحقِّ من الباطلِ، وتمييزِ ما يجب اعتقادُه، أو يجوزُ ممَّا لا يجبُ أو لا يجوزُ إلاَّ النظرُ والاستدلال.

ومنها: ما نجده وجميعُ العقلاء في نفوسهم عند دفع المَضارِّ واختلاف النافع، أو ترجيح أحد الطريقين على الآخر، مثل أن يدفعه العطشُ إلى قصدِ ماءٍ فِى مكانٍ بعَينه، فيجدُ في طريقِ الماء أثرَ الأسدِ، فإنَّه لايفزعُ في توقي أَحْفَز الضررينِ بأبطئهما (٢)، ودفع أَكَدِّهما بأيسرهما، إلا إلى نظره واستدلاله في استخراج الأصوب من ذلك برأيه، أو المشاورة لغيره تقوية لرأيه برأي غيره، وهذا دليلٌ على أنَّ ذلك هو الطريقُ.


(١) بعدها طمس في الأصل بمقدار أربعة أسطر.
(٢) في الأصل: "بان ابطاهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>