لعلةٍ، وتعرفُ تلك العلَّةُ بأنها علةُ ذلك الحكمِ بدليلٍ - وهو التقسيم والمقابلة- ثمَّ يقاسُ غيرُه عليه، جازَ أن يثبتَ الحكمُ في المشرَّعياتِ في عينٍ من الأعيانِ بعلةٍ، وينصب على تلك العلَّةِ دليلٌ يدلّ عليها، ثمَّ يقاسُ غيرُه عليه مثاله من العقليات والشرَّعيات، فإذا قسَّمنا في العقليات صفاتِ الحي واستقريناها فلم نجد منها ما يصلحُ أن يعلّل به كونه حياً سوى الحياة، ولا ما يعلّل به كونه عالماً سوي العلم، جعلنا علةَ كلِّ حي لكونِه حياً الحياةَ، وعلَّةَ كلِّ عالمٍ لكونه عالماً العلمَ.
وقسَّمنا صفاتِ الخمرِ، فلم نجد ما يصلحُ أن يكونَ علة تحريمها سوى الاشتداد المطربِ، فعَدَّينا الحكمَ إلى كلِّ شرابٍ فيه تلك الشِّدةُ.
ومنها: أنَّه لاخلافَ بين العقلاءِ أنَّه يحسنُ ويجوزُ من صاحبِ الشَّرع أن يقول: "لايقضي القاضي غضباناً"(١) لأنَّ الغضب يضلِّل رأيه، ويُعقِم فهمه، فقيسوا على الغضبِ ما كانَ في معناه من كلِّ مضلِّل للرأي مشعِّثٍ للفهم، كالجوع المفرطِ، والعطش، والإعياء المضجر لكثرةِ عملٍ أَوجَبَت تعباً، وحَرَّمتُ عليكم الخمرَ؛ لأنَّه شرابٌ فيه شدَّةٌ مطرِبةٌ تصدُّ عن ذكرِ اللهِ، وتوقعُ العداوةَ والبغضاءَ لتضليلها العقلَ، فقيسوا عليها ما في معناها من كلِّ شرابٍ.
فهذا وأمثالُه ممَّا يستبينُ به المعقلُ، ويستحسنُه العقلاءُ، وإذا كان تنقيحُه هكذا، حسُنَ أن ينصَّ على تحريمِ الخمرِ ثمَّ يأذنَ لنا في استخراج