المعنى ونعدّي حكمَها إلى غيرِها من الأشربةِ، ولو كان هذا محالاً في العقل أو قبيحاً، لما حسُنَ التنصيصُ عليه.
ومنها: أنَّه لمْا جازَ أن يأمر بالتوجُّهِ إلى الكعبةِ لمن عايَنَها، جازَ أن ينصبَ عليها دلالةً لمن غابت عنه، بحائلٍ مانعِ، أو بُعدٍ شاسع، ثمَّ يتعبَّدُ باستقبالِ جهتِها بالاستدلالِ بتلك الدلالةِ التي نصبَها.
ومنها: أنَّ العاقلَ إذا صدقَ نظرُه واستدلالُه، أدركَ بالأمارات والأدلَّةِ الحاضرةِ المدلولاتِ الغائبةَ، فإذا رأى جداراً قد انشقَّ ومالَ، حكمَ بأنَّه سيهبط، وإذا رأى غيماً كثيراً مُسِفّاً، وهواءً رطباً، حكمَ بأنه سيُمطِر، وإذا رأى إنساناً بيدِه حديدةٌ مخضَّبةٌ بدمٍ خارجاً من بيتٍ فيه مقتولٌ، جازَ منا الحكمُ على أنَّه القاتل بهذه الأمارات، وإنْ جاز أن نخطىءَ في النَّادر.
فإذا رأى الشرعَ حَكَمَ بتحريمِ العصيرِ إذا اشتدَّ، وقد كان مباحاً قبل حدوثها، ثم إذا تخلَّلَ أبيح، غلب على ظنِّه أنَّ التحريمَ تابعٌ للشِّدَّة.
ومنها: أنَّ في التعبُّدِ به كبيرَ مصلحةٍ لاتحصل إلاَّ بالتعبدِ به، وهي إثابة المجتهدِ على اجتهادِه، وإعمال فكرِه، وبحثه لاستخراخ علَّةِ الحكمِ من المنصوصِ لتعدييه إلى غيرِ المنصوصِ، وذلك نوعُ تكليف باقٍ عليه، وما كان طريقاً إلى الصلحة للمكلَّف، كان وضعه مصلحةً، ولا عاقل يستقبحُ طرقَ الأصلح ولايُحيلها.
فإن قيل: لو كانَ الأمرُ على ما ذكرتم، لجازَ أن يخير بينَ الحكمِ بالنَصِّ أو الرأيِ والقياسِ، فلمَّا لم يجز العملُ بالقياسِ مع وجودِ النُّصوصِ، بطلَ ما ادَّعيتموه من حصولِ الأصلح فيه، ومن كونهِ طريقاً إلى معرفةِ