المصالحٍ والألطاف في الأفعالِ التي علينا فيها تكليف، لاتكونُ مصالحَ (١) وألطافا لجنسها، ولا لوجهٍ في العقل يتميَّز وينفصل من غيره بدليل، كما نعلم انفصالَ أحكامِ الأجناسِ وحقائقها بقضيّة العقلِ، وإنَّما يكونُ الفعلُ المتعبَّدُ بتحليلِه أو تحريمِه أو إيجابِه أو الندبِ إليه مصلحةً وداعياً إلى فعل الحسن واجتنابِ القبيح، وليسَ يكونُ كذلكَ لصفةٍ هو في ذاتِه عليها.
وقد يكونُ مصلحةً في وقتٍ، وغيرَ مصلحةٍ في غيرِه، وهو في الوقتينِ على جنسِه وصفتِه وذاتِه، وقد يكونُ في الوقتِ الواحدِ مصلحةً لمكلَّفٍ، ومفسدةً لغيرِه على ما هو عليه من جنسِه وذاتِه وصفتِه، ولذلك ربما تختلفُ أحكامُ الشَّرائع، وتختلفُ تكاليفُ العقلاء فيه، فيجبُ على البعضِ منه ما يسقطُ عن غيرِه، وتختلفُ أحكامُ هذه الأَشياء في زمنِ النسخ.
وإذا كان كذلك، وجب أن يُقال: إنَّ جهةَ كونِ تحريمِ بيع البُرِّ متفاضلاً مصلحةً، علمُ اللهِ عزَّ وجلَّ بأنَّنا عند تحريمِ ذلك وكفِّنا عنه نكونُ أقربَ إلى الطاعةِ، وأبعدَ عن المعصيةِ، أو يكونُ نفسُ اعتقادِنا التحريم والانكفاف لأجلِ ذلك الدليل، مصلحةً لنا من حيث إنَّا بنينا على ذلك، وحملنا المقيس عليه، ولا انفصال عن ذلك.
ويقالُ لهم: إنَّكم بهذِه الطريقةِ والمطالبة ناقضون لمذهبكم في الأصلح، لأنَّكم قلتم: إنه لايعلمُ الألطافَ والمصالحَ في العباداتِ الشَّرعيةِ الاّ علاَّمُ الغيوب، وإنه لاسبيلَ لأحدٍ من الخلقِ إلى علمِ ذلك، وتقولون: إنَّه لايجوزُ