للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّدق لعدالتِه، واجتماع شروطٍ فيه أوجبت غلبةَ الظنِّ، أوجبَ ذلك بناء الحكمِ على قولِه، حظراً كانَ، أو إباحةً، أو إيجاباً.

ومنها: أنْ قالوا: لمًا كانت العلَّةُ العقليةُ لايصحُّ تقدمُها على الحكمِ، وكانَ حكمُها لو تأخَّرَ عنها أبطل كونَها علَّةً، وجبَ أن يدلَّ ذلك على فسادِ العلةِ الشَّرعيةِ، لأنَّ حكمَها متأخِّر عنها؛ لأنَّ الشِّدة تكونُ في الخمر، وإنْ لم يكن حراماً قبل الشَّرع، وفي الشَّرع أيضاً قبلَ نزولِ النسخ.

فيقال: إنها ليست على الحقيقةِ، ولو كانت موجبةً، كالعقليةِ لم توجد إلاَّ موجبةً لحكمها، وحكمُها مقارنٌ لها غيرُ متأخِّرٍ عنها، وإنَّما هي بمنزلةِ الاسم الذي هو علَمٌ على المسمّى بوضع اللُّغة، كذلكَ هي عَلم على الحكمِ بوضع الشَّرع، وتَخرجُ عن أن تكونَ عَلَماً بالنَّسخ وتكون عَلَماً على الضِّدِّ، وهي بعد أن جعلت علَّةً للحكم، وعلماً عليه لا تزال تدلُّ على الحكم ما دامت مجعولةً علةً، وتكون بعد النسخ وإعدامها عن كونِها علةً كعدم العلم في إعدام كون العالمِ عالماً، وعدم الحركةِ لكون المتحرك متحركاً، فالنسخُ لها كَالإعدام للعللِ العقليةِ، وما دامت موجودةً، فهي مقتضيةٌ للحكمِ اقتضاء العللِ العقليَّةِ.

ومنها: أن قالوا: لو كانَ من صفاتِ المحرم والمحلّلِ ما هو علةٌ توجب الجمع بينَه وبين ما لم يذكر في ذلكَ الحكمِ، لوجبَ أن يوجَبَ الجمعُ بينهما في جميع الأحكامِ.

فيقال: ما أبعدَ هذا! لأنَّ العلةَ العقليةَ توصاُ الجمعَ بين ما وجدت

<<  <  ج: ص:  >  >>