للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا الجواب عن تفصيل ما ذكروه من التفرقة بين المتفق في الصِّفة، والتسوية بين المختلف فيها،- فإنَّه بُعْدٌ منهم، لأنَّنا لانعر علَّة شيء ممَّا ذكروه، ولا ندَّعى لكلِّ حكمٍ علةً، فما نعرف أنَّ العلًةَ في وجوبِ الغُسل من المنيِّ لا يختص كونه خارجاً من مخرج واحد حتى يوجبه من البول بخروجه من مخرجهما، بل لا نعرف لذلك علَّةً فلم يجبِ القياسُ عليه، ولا نعرف علَّةَ التفرقةِ بين النظر إلى وجهِ الحرَّةِ وشعرها، حتى نحمل أحدهما على الآخر، فأمَّا إيجاب الكفارة في القتلِ والظِّهار والحنث في اليمين، وأمثال ذلك من إيجاب القتلِ بالقتل والرِّدَّة والزِّنى والإحصانِ، فليس بقادحِ في القياسِ؛ لأنَّ كلَّ شيء من هذه العاني والأفعال المختلفة علًةٌ لثبوتِ الحكم، نعني بذلك أنَّها علَمٌ على وجوبه، وليس يمتنع أن يجعل الله سبحانه على (١) وجوب الكفّارات علامات مختلفة، ولذلك صحَّ القولُ بالعلتين على ما نذكره من بعدُ إنْ شاء الله.

وإنَّما يمتنع اجتماع الأشياء المختلفةِ الأجناسِ في إيجاب حكمٍ عقلي لأجل أنَّ موجبه من العلل يوجب حُكمَه وما هو عليه من الصِّفة في ذاته، وإنْ كان الله سبحانه خلقه وجعله موجباً للحكم، كما أنَّه قد جعل الشِّدَّة علامةً على تحريم الخمر، وكلاهما مجعولان من قِبَلِه تعالى على هذا الوجه، وهذا واضحٌ في فساد ما تعلَّقوا به. وهذه الجُمَلُ التي ذكرناها عن مُحِيلِي التَّعبُّد بالقياس لأجل جهل العباد بالمصالح، وفساد العلل الشَّرعية وإحالة كونها علامةً على الأحكام، كافيةٌ ومنبِّهةٌ على كل ما يعتلّون به


(١) في الأصل: "علم".

<<  <  ج: ص:  >  >>