للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها في كلِّ ما وجدت فيه، وإنِ اختلفَ ذلك في أحكامٍ وصفات أخر، ولو ورد النصُّ بمثل هذا لوجب باتفاقٍ القولُ به والقضاءُ بصحَّته، وأنَّه غيرُ خارج عن قضيةِ العقلِ، لأنه لو قال: حُرِّمت الخمرُ لشدَّتها وصدها عن ذِكْر الله، فأَلْحِقُوا بها كلَّ ما سواها في هذه الصِّفة، لوجبَ إلحاقُ النبيذِ وكلِّ مسكرٍ شديدٍ بها، وإنِ اختلفت أجناسها وهيئاتها (١)، وكذلك لو قال: قد ضربت التكليفَ على العاقل لكونه عاقلاً، لدخل في ذلك الطويلُ والقصيرُ، والأنثى والذكر، والصَّحيحُ والسقيمُ. وهذا هو الذي تقتضيه قضيَّةُ العقل، وقضيةُ علله، لأنَّ الجسمين متى اشتركا في وجودِ الحياة بهما وجب القضاءُ على تساوي حالهما وكونهما حيَّينِ، وإن كان أحدهما قاضياً والآخر تاجراً، أو أحدهما عالماً والاَخر جاهلاً، وإذا اجتمع الجسم والعَرَض في الوجود عن عدم قُضِي لهما بالحدوث، وإن اختلفا من كلِّ وجهٍ، وفيما عدا هذه الصِّفة. وأمثال هذا يكثر ويطول فيمَنْ يقضي بافتراق حكمي الشيئين فيما يوجب افتراقهما، وباجتماعهما فيما يوجب مساواة حكمهما، فبطل بذلك ما قالوه.

فإن قيل: فقد يشبه الفرع أصلين متضادَّي الحكمين، أحدهما: حلال، والآخر: حرام، ويُشاركُ كل واحد منهما فِى صفة من الصِّفات يقتضي عند المجتهد الحكمُ فيه بحُكْمِهما جميعاً، فما الذي تَصنعون في ذلك؛ قيل: يكون عندنا مخيَّراً في الحكم بأيِّهما شاء، على ما نبينه من بعدُ إن شاء الله.


(١) في الأصل: "أجناسهما وهيئاتهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>