للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثباتِ الأحكام الشَّرعية، ويوضح هذا كون الشدَّة في زمانِ لا توجب تَحريماً ولا مأثماً ولا حدّاً مع كونها تفسد العقل عند التغيرَ بشدة، وفي زمان آخر حرِّمت، وفي عصير العنب كفرت المعتقِد، وفسَّقت الشارب وفي عصير التمر لم توجب ذلك، بخلاف علل العقل التي لا تختلف بمحل ولا زمان.

فيقال لهم؛ أمَّا قولكم: إن قياسَ الشَّرع ورد بخلاف حكمِ العقل .... (١) وبناء أحكامه وقياساته فهو إطلاق، باطل، لأنَّه يوهم أنَّه مُحالات العقول، وأنه قد علم بضرورة العقل أو دليله استحالةُ ورود التعبد به. وهذا باطلٌ، وفيه وقعَ الخلافُ، وبالدلالة عليه طولبتم، بل لم يرد السَّمعُ فيه من التعبد به إلاَّ بما يجوز بالعقل ولا يحيله، ولو سلَّمنا أنَّه بما يحيله العقلُ لأجَّلنا ورودَ التعبُّدِ به، ولقطعنا على بطلانِ ثبوته من أَبَى بأنه من اللهِ عزَّ وجلَّ، فهذا جواب.

وأمَّا قولكم: إنَه قد جمع كثيراً من الأحكام بين المختلفين، وفرَّق، فيها بين المِثلين في الصِّفة، فإنَّه كلامٌ مُطرًّح، لأنَّنا قد بيَّنا فيما سلف أنَّ الصِّفَة التي تكون علةً للحكم، وعلامةَ عليه، لم تكن علَّةً لكونها صفةً نفسية، أو معنويةً، أو صورةً وبُنْية وهيئة، أو حكماً شرعياً في الأصل، وإنَّما يجب أن تكون علَّةً إذا دلَّ الدليلُ على تعلُّقِ الحكمِ بها وكونها أمارةً لوجوبه ودلالة عليها، فإذا ثبت كونُها علًةً مع التعبُّد بالقياس، وجب تعلُّقُ الحكمِ


(١) هنا في الأصل قدر أربع كلمات غير مقروءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>