وأهلُ الأصول في ذلك على المذهبين، وسنبيِّن ذلك في باب العلل إنْ شاء الله.
ومنها: أن قالوا: إنَّ أحكامَ الشَّرع لم تَرِدْ على بناءِ القياسِ العقلي المجمَع على صحَّته، ولا قياسُ الأحكامِ الشَّرعية واردٌ بما توجبه قضية العقل، وعلى تقدير ما فيه من الأحكام، لأنَّ قضيةَ القياس العقلي توجبُ أنَّ كلَّ شيئيْن متماثليْن متساويين فحكمُهما متماثل متفق غير مختلِف، لأنَّ الأحكامَ تَتْبَعُ عللَها، فلا توجب الحركةُ انتقالَ الجسمِ ولُبْثه، ولا السوادُ سوادَ الجسم وكونه أبيضَ، بل السَّواد يوجب كون ما قام به من الأجسام كونه أسود، والبياض يوجب كونه أبيضَ، جئنا إلى عللكم وجدنا أنَّ الشَّرعَ قد وَرَدَ بالتسوية بين حكم المختلف في الصِّفة والمعنى، وبالمخالفة بين حكم المتفقين، بيان ذلك الحيضُ، والنفاسُ، والمنيُّ، والبول، والغائطُ، والمَذي، كلُّها خوارجُ من محل واحدٍ، والحكمُ مختلف في الغُسل وتحريمِ الوطء وإبطالِ الصَّوم، وأباح النظرَ إلى وجه الحُرَّة وهو مجمعُ المحاسنِ، وحرَّم النظر إلى شعرها، وسوَّى بين قتل الصَّيد عمداً وخطأً في إيجابِ الضَّمانِ، وهما مختلفان في الغايةِ، وسوَّى في إيجابِ القتل بين الرِّدَّةِ والزِّنى والقتل، وسوَّى في إيجاب الكفارة بين قتلِ النفسِ والوطءِ في رمضانَ وبين الطهار، وهي أمورٌ مختلفةٌ جداً، ومعلوم أنَّ هذا يبطل الاعتبارَ بالأمثال وتقريبِ بعضها إلى بعض في كلِّ الأحكام، فإنَّ غايةَ ما يمكن المجتهد أن يوجب للمتشابهين اللذين جمع بينهما اجتهاده، حكماً وجده لأحدهما فعدَّاه إلى الشبيه مثلاً، وقد بانَ من وضع الشَّرع أنَّ التساوي لا يوجب حكماً للمتساويين، فلا وجه للعمل بالقياس في