على أنه يجوزُ أن تكونَ العلةُ الكرامةَ التي خُصَّ بها، وخَصَّ أبا بردة لأجلِ أنه حَرَصَ على الطَّاعةِ فبادرَ بما كان عنده ثم لم يحل فَسومِحَ كرامة له خاصة.
ومنها: أنَّ عللَ الأحكامِ فاسدةٌ لخروجها عن سُنَنِ العللِ العقليةِ، لأنَّ منها ما لا يثبتُ الحكمُ عندكم إلاَّ بمجموع أوصافٍ ينضمُّ بعضُها إلى بعضٍ، وكلٌّ منها على حدته لا يُثبِت الحكم، فالعلل ما استقلت بإيجاب أحكامها، كالحركةِ استقلت بإيجاب حكمها، وهو كون ما قامت به من الأجسام متحرِّكٌ، وكذلكَ السَّوادُ والحياةُ لكونِ المحلِّ حياً.
فيقال: قد تكرَّر منَّا القولُ بأنَّها ليست موجبةً، وإنَّما هي أمارةٌ وعلامةٌ على الحكمِ، والأماراتُ والدلائلُ قد تكونُ في كشف ما كانت أمارةً عليه متعاضدةً، كالغيمِ تتعاضدُ أماراتُه من الكثافةِ، والدنوِّ والامتدادِ، وسقوط الجدار بانشقاقه وانتثاره، وكون الأمير في داره بفتح الباب ووقوف البوَّاب وضَجَّة الغِلمانِ إلى ما شاكَلَ ذلك، فهي من هذا القَبيلِ لا من قبيل العللِ الموجبةِ، وقد أَطَلْنا في هذا القول.
على أنَّ بعضَ المتكلِّمين من القائلين بالقياس لإثبات الأحكام قد أجاب عن هذا بأن قال: وقد ضربنا في إثبات القياس مثلاً وهو غرق السّفينة، بأنه معلل باعتماد الأثقال فيها، وإذا تعاضد حجر بعد حجر، وقفيز بعد قفيز، فهذا ما أغرقها، إنما حدث غرقُها باجتماع تلك الأثقال إذ لم يكنِ الواحد من الحجارة والقفزان محصِّلاً حكمَ العلة، وهو غرقُ السَّفينة، فمَنْ قال: إنَّ الغَرَقَ حصلَ بالجميع، جعل العلَّة مجموعَ أشياءَ