على أنَّ ما قلتموه لا يجوزُ بعد ورودِ الشَّرع، والتعبدِ بالقياسِ، وجعلِ الصِّفة علةً للحكم وعلامة على ثبوتِه؛ لأنَّ تجويزَ وجودِها في بعضِ الأعيانِ مع عدمِ الحكمِ نقضٌ لها، سواءٌ كانت منصوصاً عليها أو مستنبطةً مستثارةً، فهو كلامٌ باطلٌ، وإن كانَ كلاماً على مجيزي تخصيصِ العللِ الشَّرعيةِ مع ثبوتِ القياسِ والتعبدِ به، وذلكَ غيرُ جائزٍ على ما نبيِّنه فيما بعدُ إن شاء الله.
فإن قيل: لا بدَّ لكم من القول بذلكَ، لأنَّ الله تعالى قال:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٠]، إلى قوله:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، وحالُه - صلى الله عليه وسلم - وحالُ سائِر المؤمنين متساويةٌ، وقال عليه الصلاة والسلام في أُضحِيَّة أبي بُرْدة:"تُجزِئُك ولا تجزئ أحداً بعدك"(١) وجميعُ المكلفين متساوون، ولا معنى يختصّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بردة يوجب إفرادَهما عن جماعة المكلفين المتساوينَ حُكماً.
قيل: ليسَ الأمرُ على ما ذكرتم، لأنَّ هذين الحكمين ليسا معلولين، ولا يدلُّ على تعليلهما دليلٌ، وما نقولُ: إنَّ جميعَ أحكامِ الشَّرع معلولةٌ، بل الأكثرُ منها غير معللة، وهذان الحكمان من جملة ما لم يُعلل، ولا عرفنا له علَّةً دلَّ عليها بعضُ الأدلّةِ على العللِ الموجبةِ للتسوية بين النبي عليه الصلاة والسَّلام وبين غيرِه من ألامَّةِ في استباحة الموهوبةِ، ولا بينَ أبي بردةَ وبين غيرِه في الأضحية، وإذا كان كذلك سقطَ ما قالوه.