للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فله أجر" (١)، وفارقَ المنعَ من الاجتهادِ في أعيانِ الفروج والمساليخ التي فيها مباح ومحظور، لأنَّ هناكَ عيناً قطعنا على حظرِها، وعيناً اختلطت بها، وفي مسائلِ الاجتهادِ ما قطعنا على عينٍ محظورة، فنحن بالدلائلِ والأماراتِ نستخرجُ حكمَ الله سبحانه.

ومنها: قولهم: لوكانَ القياسُ الشَّرعيُّ صحيحاً يجوزُ التَّعبُّد به، وهو لايثبتُ إلاَّ بعدَ ثبوتِ القياسِ العقلي، وهو أصله المردودُ قياس الشَّرع إليه، لوجب أن يجريَ مجرى عللِه المقيسِ عليها، فيجري القياسُ العقليُّ عليه، وقد ثبت أنَّ العلَّةَ العقلية إذا أوجبت حكماً، وجدت مثلها ونظيرها موجباً لذلك الحكم، وقد اتفقَ القائمون على أنَّه قد يكون مثلُ علةِ الحكمِ في الشيء غيرَ علة لثبوته في غيره، فوجب لذلك القضاءُ بفَسادها، وبطلانُ القياس عليها.

فيقال لهم: إننا لا نثبتُ القياسَ الشَّرعيَّ لثبوتِ القياسِ العقلي، ولا نعلم أنَّ العلَّةَ لتحريمِ الشيءِ وتحليلِه علةٌ لذلك بقَضِيَّةِ العقلِ بضرورتِه ودليل فيه، وإنَّما نصَحِّحُ القياسَ الشَّرعي وموجبه بالتوقيف على وجوبِه، ونعلمُ علةَ الأصل علَّةً بحكمةٍ يجعلُها سبحانه لنا عَلَماً على الحكم، ولولا ذلكَ لم يعلم كونُها علةً بما يعلما به كونُ عللِ العقلِ عللاً لأحكامها، وإذا كانَ ذلك كذلك، بطلَ ما بنيتم عليه أكثرَ شبهكم في هذا الباب، فكلامُكم في كثيرٍ منها إنَّما يتوجَّه على القائلين بوجوبِ القياسِ الشَّرعي من جهةِ العقل، فهذا فاسد عندنا بما نبيِّنه بعدُ إن شاء الله.


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>