والتحري مع اختلاطهما بالمساليخ المذكاةِ، وبالمملوكاتِ من الاماءِ والزَّوجاتِ، قبيح، وهذه سبيل القائسينَ في الدِّماءِ والفروجِ؛ فإنهم لايأمنونَ مواقعةَ المحظورِ بتجويزِهم الخطأ على القائس، ومحال أن يَتعبَّدَ اللهُ سبحانه بما لا تؤمَنُ معه مواقعةُ الخطأ، كما أنه محالٌ أن يتعبدهم بطريق يُقطَع فيه بمواقعة المحظورِ والخطأ.
فيقالُ: إنَّ اللهَ سبحانَه قد بنى الاجتهادَ في الأحكامِ الشَّرعيةِ على أماراتٍ ظنِّيَّةٍ غيرِ قطعيةٍ، ولا مأمونٍ معها إصابةُ الخطأ، فمن ذلك الرجوع إلى خبر الواحد وشهادةِ الشاهدين في الدماء، والفُروج والأَموال والعقود، واللعان بين الزوجين، والتحالفِ بين المتبايعين المختلفين، والاجتهادِ في القِبلةِ عند الاشتباه، والبناء على الأصلِ في الشكوكِ العارضةِ كالشكِّ في الحدث، والشك في إيقاع الثلاثِ وما دونها، أو في أصل الطَّلاق والعتاق. وفي بناء الحكمِ على الأَصلِ تجويزٌ لمباشرةِ الفروج مع عدم الإذن، ونفيهِ الإباحةَ وبقاء الملك؛ لأنَّ البقاءَ على حكمِ الأصلِ لا يوجبُ العلمَ بشىءٍ من ذلكَ، لجوازِ أن تكونَ البيِّنةُ زوراً عند الله، ومع كونِ الشَّرع قد قطعَ على أنَّ أحد المتلاعنين كاذبٌ عند الله، ومع ذلك فقد بنى على هذا التجويزِ إباحةَ الدِّماءِ والأموالِ والفروج، وفسخَ العقودِ، ونقلَ الأملاكِ، لاسيَّما على قولِ مَنْ قال: إنَّ حكمَ الحاكمِ يحيلُ الحظرَ إباحةً، والإباحةَ حظراً، وما منعَ بالعفو عن الخطأ أن (١) ضمَّ إليه أجراً، فقال: "إذا اجتهدَ الحاكم فأصابَ فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ