للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترجيحُ، كانَ المجتهدُ مخيَّراً كما خُيِّر المكلَّفُ في بعضِ الكفاراتِ بين ثلاثة أشياء، لمّا تساوت الأعيانُ الثلاثةُ.

على أنّا لو سلمنا أنَّ الحقَّ عند الله في واحد وليس كلُّ مجتهد مصيباً، لما كان ما ذكروه دليلاً على ذلك، لأنَّهم توسَّعوا في الدعوى حيث قالوا: لا علَّةَ لبعض القائسين تدلُّ على التحريمِ، إلاَّ ويجوزُ لغيرِه أن ينصبَ علةً موجبةً للتحليل، لأنَّ هذا قولُ من ظَنَّ أنَّ العلل لكلِّ أحدٍ نصبُها بالتشهي، أو أنَّ الله سبحانه لم يجعل لعلَّةِ الحكمِ أمارة تمتازُ بها وتترجح على ما يشتبه على آحاد المجتهدين ويتوهَّمه علَّةً لحكمٍ يضاد ذلك الحكمَ، وليسَ الأمرُ على ما ظنَّه، بل العلَّةُ التي توجبُ حكماً من تحليلٍ أو تحريم لايجعلُ الله سبحانَه لها ما يُضادُّ حكمَها ممَّا يصحُّ به التعليل.

وما ذلكَ إلاَّ بمثابةِ اختلافِهم في الحكمِ، وتعلق كلِّ واحدٍ. مما يدعيه نصاً لله أو ظاهراً، وإن كانَ النَّصُّ من الله سبحانه لا يقعُ على حكمين مختلفين إلاّ وأحدُهما رافعٌ للآخرِ ناسخ له.

وهذا أصلٌ لنا، وأنَ الله سبحانه لا يجعلُ الأماراتِ على الحكمينِ المختلفينِ متساويةً، ولا بدَّ أن ينصبَ على علَّةِ الحكمِ دلالةً لا ينصبُها على علةٍ أُخرى، فتمتازُ بنصبِ تلكَ الأدلةِ عن توهُّمِ الأُخرى علَّة للحكمِ المضادِّ لحكمِ العلًةِ التي نصبَ عليها الدلالةَ.

ومنها: أن قالوا: قدِ اتفقَ العلماءُ على أنَّ اعتمادَ المعصيةِ، وإصابةَ المحظورِ قبيحٌ، وأنَّ الإقدامَ على ما لا يؤمنُ معه مواقعة المحظورِ قبيحٌ أيضاً، حتى إنَّ أكلَ الميتةِ ومباشرةَ الأجنبيةِ قبيحان، والاجتهادَ في مواقعتهما،

<<  <  ج: ص:  >  >>