تخبرون بذلك عن الله، ولا يجوز الخبر عن الله سبحانه بما هذا سبيله، ولايقطع بمثله على نفي القياس، فنحن فيما أخبرنا عن الله على الوجه الذي ذكرنا بالتحريم أسعد منكم فيما تخبرونَ بهِ عن الله في نفي القياسِ، لأننا نستندُ بذلكَ إلى أماراتِ الرسولِ- صلى الله عليه وسلم -وإجماع أصحابهِ بعده، وأنتم مخبرونَ بالمنع من ذلك من غير مستندٍ.
ومنها: أن قالوا: إنَّ في إجازةِ القياسِ وتصحيحهِ إيجابَ تكافؤ الأدلةِ، وأن يكونَ حاكماً بالشَّيءِ وضدِّه، ومحرماً لما أحله، وذلكَ محالٌ.
وإنما وجب هذا لأنه لا صفةَ يدَّعي بعضُ القائسين أنها (١) علةٌ للتحريمِ، إلا ويجوزُ لغيره أن ينصبَ علّةً تقابلها موجبةً للتحليل، فلا يكونُ قولُ بعضِهم أَوْلى من قولِ بعضٍ، ولاعلةُ أحدهمِ بأن يكونَ الحكمُ متعلِّقاً بها أَوْلى من علّةِ غيرِه، وهذا هو القول بتكافؤ الأدَّلةِ والأحكامِ المتضادَّة، وذلكَ غيرُ جائز على الله سبحانه في شرائعه.
فيقال: لسنا نمنع تكافؤ الصِّفاتِ التي ينتزعها المختلفونَ من القائسينِ، وكونُ كلِّ صفةٍ منها دلالةً على تعلّقِ الحكمِ بها في حقِّ من غلَبَ على ظنِّه منهم أنَّ الحكمَ متعلِّق بها دون ما عداها، وأن تكونَ أحكامُ الله تعالى في الحادثةِ وتعليلُ حكمِها مختلفةً في حقوقِ المجتهدين، وفرضُه عليهم في ذلك مختلفٌ، لأن ذلك ليس بمُستبعَدٍ القولُ به، وسنوردُ في ذلكَ ما يقتضيه في موضعِه، حتى إنه إذا تساويا عندَ المجتهد تساوياً يمتنعُ معه