للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللهِ ما حَرَّقَها إلاَّ عن رَأي من جماعتِنا أَصحاب محمدٍ (١). فكان ذلك مِن فضائلِ عثمانَ رضي الله عنه.

وإنَّما جَعَل الله سبحانه الرَّايَ طريقاً، وإن كان قادراً على إِنزالِ نُصوصٍ كاشفةٍ لأَحكامِ شريعتِه، ليُظْهِرَ فضائِلَهم التي أَوْدَعَها، وجَواهِرَهم التي مَنَحَها، كما أَبانَ عَمَّا أَوْدَعَه فيهم مِن تَلَقِّي أَثقالِ التكليفِ بحُسْنِ الاستجابةِ ببَذْلِ النُّفوسِ والأَموالِ، وفِراقِ الأَهلِ والأوطانِ، وقَطْع الأَرحامِ فيه، كذلك أَبانَ عن فَضْلِهم في الاجتهادِ والرَّايِ.

ومِن ذلك: أَنَّهم ما تَحَرَّجُوا أَنْ ضَرَبُوا لأَحكامِ اللهِ الأَمثالَ، فقالوا في الجَدِّ ما قالوا مِنَ التشْبيهِ بشَجَرَةٍ تَشَعَّثَتْ (٢) أغصانُها، وبنَهْرٍ انْخَلَجَ منه خُلْجانٌ (٣)، وهذا كُلُّه ثِقَةٌ منهم بأَنَّ الرَّايَ طريقٌ من طُرُقِ الأً حكامِ.

ومِن ذلك: ما كاتبَ به عمرُ رضى الله عنه في العُشورِ، ونَهْيُه للولاةِ بالعراقِ عن أَخْذِ الخُمورِ، فقال: وَلّوهم بيعَها، وخُذُوا العُشْرَ مِن أَثْمانِها (٤)، وهذا مِن أَفقهِ الفِقْهِ، ومعناه أَخذَه مِن قولِ النبيِّ عليه الصلاةُ والسَّلام في هَدِيَّةِ بَرِيرةَ ما كانَ تُصدِّقَ به عليها- وكانت الصَّدقةُ تَحْرُمُ


(١) أخرجه ابن أبى داود بنحوه في "المصاحف" ١٩.
(٢) أي: انتشرت وتفرَّقت: "المصباح المنير": (شعث).
(٣) جمع خليج، وهو النُّهَيرُ يقتطع من النهر الكبير إلى موضع ينتفع به، وانخلج بمعنى: تفرَّع. "اللسان": (خلج).
(٤) أخرجه البيهقي ٩/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>