للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَسطيرِ القرآن في المصاحفِ حِفظاً له عنِ الشّذوذِ، لَمَّا رَأَى القَتْلَ قد اسْتَحَرَّ (١) بقُرَّاء القرآن في قتالِ أَهلِ اليَمامَةِ، وقولُه لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وقولُ أبى بكرٍ: لا أَفْعَلُ، وكيف أَفْعَلُ ما لم يَفْعَلْهُ رسولُ اللهِ؟! وإِحضارُه زَيْدَ بنَ ثابتٍ، وكَراهَةُ زيدٍ ما كَرِهَه أَبو بكر مِن جَمْعِه، وقولُ زيدٍ (٢): فلو كَلفُوني يومَئذ نَقْلَ جبالِ تِهامَةَ، لكان أَهْونَ عليَّ مِن ذلك، ثم شَرَحَ الله صَدْرَ أبي بكر وزيدٍ والجماعةِ إلى راي عُمَرَ (٣)، واتفَقُوا على تَوْريثِ العَمَلِ به. وكان في ذلك أكثرُ المصالح، حيثُ حُفِظَ القرآنُ من الزِّيادةِ والنّقصانِ مِن أَهْلِ الاِلْحادِ، ومعلومٌ أَنه لم يَكُنْ نُفورُهم عن رَايِ عُمرَ إِلا لعَدَمِ النقلِ والسَّمع، ثم اتفَقُوا على مَحْضِ الرَّايِ ومُجرَّدِه.

ومن ذلك: ما رَآهُ عثمانُ رضي الله عنه مِن جَمْع الكُلِّ على صَحِيفةِ أَبي بكر ومُصحَفهِ، وأَخْذِه مِن حَفْصَةَ، وضَمانِه لها رَدَّهُ عليها حتى سَمَحَتْ به، وأَخْذِه لجميع المصاحفِ الى كان فيها تَقديم وتَأنخير، وتَأويل وتَفسير، وتَبديل وتَغيير، إِلى غيرِ ذلك من التخليطِ والتَّحريفِ، على قَدْرِ حِفْظِ كاتِبِهِ، وتَحريقِ ذلك، ومُوافقةُ الكُلِّ له على ذلك (٤)، حتى إِنَّه لَمَّا قيلَ فِى فِتْنَتِه: حَرَّاقُ المصاحفِ، قال عليّ رَدّاً على مَنْ عابَهُ:


(١) أي: اشتد وكثر، وهو استفعل من الحَرِّ: الشدة. "النهاية" (حرّ).
(٢) في الأصل: "أبو بكر" وهو خطأ.
(٣) أخرجه أحمد (٧٦)، والبخاري (٤٦٧٩).
(٤) أخرجه البخاري (٤٩٨٦) (٤٩٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>