للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهاجرُوا إِلى الله، فأُجورُهم على الله، وإِنما هذه الدُّنيا مَتاعٌ (١) وكأَنَّ أَبابكر- رضي الله عنه- لم يُحِب أن يَجْعَلَ مِنَ العَطاءِ ثمناً للإِيمانِ والهِجْرَةِ وفضائل الأَعمالِ، ووَكَلَ ذلك إلى دَيّانٍ يَسْمُو فِى العطاءِ، ثم لَمَّا صارَ (٢) كُرْسِيُّ الخِلافةِ إلى عمرَ رضي الله عنه، فاضَلَ في العطاءِ، وعَلِمَ أَن الله سبحانه قد جَعَلَ الآخِرةَ دارَ الجَزاءِ، وعَجَّلَ في هذه أَصْلَ العطاءِ، بُلْغَةً وإعانةً على ما هم بصَدَدِه مِن نَدْبِ نفوسِهم لِمَا نَدَبُوها، فلَمَّا لم يَمْنَعْ ذلك أَصْلَ العطاءِ- وإِن لم يَكُنْ ثمناً لكن بلاغاً- كذلك الزِّيادة، فكُلٌّ منهما ذَهَبَ إلى وَجْهٍ مِن وجوهِ الرَّأيِ، والمعنى الواضح.

ومِن ذلك: أَنَّ أبا بكر الصِّدِّيقَ اشْتَهَرَ عنه أَنَّه وَرَّثَ الجَدَّةَ أمَّ الأُمِّ، ولم يوَرِّثِ الجَدَّةَ أمَّ الأَبِ، فقال له أَنصاريٌّ: لقد ورَّثْتَ امرأَةً مِن ميِّتٍ، لو كانت هي المَيتةَ لم يَرِثْها- يعني: أُمَّ الأمِّ، فإِنَّه ابنُ بِنْتِها- وتَرَكْتَ امرأَةً لو كانت هي الميَتَةَ، وَرِثَ جميعَ ما تَرَكَتْ- يعني: أَن الأَبَ ابنُها-، فلَمَّا سَمِعَ ذلك، أَشْرَكَ بينهما في السُّدُسِ (٣). وهذا أَخْذٌ منهم بالرَّايِ، وتعويلٌ على المعاني المستنبَطةِ المعقولةِ.

ومِن ذلك: ما أَجْمَعوا عليه مِنَ الرَّأيِ والاجْتهادِ، وكان المبتدِئ به عمر بن الخطَّابِ رضي الله عنه، الذي لم يَزَلْ رأيه موافقاً لِمَا يَنْزِلُ مِن وَحْي الله إِلى نبيِّه في عِدَّةِ قضايا ومواطنَ: [وهو] ما رَآهُ وأَشارَ به من


(١) انظر "الأموال" لأبي عبيد ٢٦٤.
(٢) في الأصل: "صارت".
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٩٠٨٤)، والبيهقي ٦/ ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>