للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أَخْرَجَه ممَّن وافَقَنا في هذا المذهبِ قومٌ، وأَنَّ الحقَّ في جِهَةٍ واحدةٍ مَخْرَجَ التقْسيمِ؛ فقالوا: لا يَخْلُو أَن يكونَ المذهبان صَحيحينِ، أَو فاسدَيْنِ، أَو أَحدهما صحيحاً، والآخرُ فاسداً، لا يجوزُ أَنَ يكونا فاسِدَيْنِ، لأَنَّ ذلك قولٌ يُخالِفُه الإِجماع، وما خالفَ الإِجماعَ مقطوعٌ بفسادِه، ولا يجوزُ أَن يكونا صَحيحيْنِ، لأَنه يفْضِي إِلى كونِ العَيْنِ الواحدةِ حلالاً حراماً، والعَقْدِ الواحدِ صحيحاً فاسداً، وذلك محالٌ، فلم يَبْقَ إِلاَّ أَنَّ أَحدَهما صحيحٌ، والآخرَ فاسدٌ، وهو قولنا.

فإن قيل: إِنّما لا يجوزُ أَن يكونا كذلك في حقِّ شخصٍ واحدٍ، ولا يُنكَرُ ذَلك في حقِّ شخصَيْنِ، أَلا ترى أَنَّ المَيْتَةَ ولحمَ الخِنْزيرِ يجوزُ أَن يكونَ مُباحاً للمُضْطرًّ مُحرَّماً على المُكْتَفِي، والعَقْدَ بلا وَلِيٍّ ولا شُهودٍ نكاحٌ صحيحٌ في حقِّ الكُفَّارِ، حتى إِنَّه يجوزُ لهم اسْتِدامتُه بعدَ الإِسلامِ، وهو فاسدٌ في حقِّ المُسلِمينَ، وإِفطارَ رمضانَ حرامٌ على المقيمِ السَّليمِ، مباحٌ للمريضِ والمُسافرِ، كذلك لا يَمْتَنِعُ أَن يكونَ القَدَحُ من النَّبيذِ، والحيوانُ المخصوصُ كالسِّباع، مباحاً طاهراً في حقِّ مَنْ أَدَّاهُ اجتهادُه إِلى إِباحتِه وطهارتِهِ، حراماً (١) على من أَدَّاهُ اجتهادُه إِلى حَظْرِه وتحريمِه، قالوا: ولهذا يحسنُ أن نقول: هذه العين حرامٌ على مَنْ أَدَّاه اجتهاده إلى تحريمها، حلالٌ لِمَن أَدَّاه اجتهادُه إِلي إِباحتها، كما يَحْسُنُ أن نقولَ في الجِهَتيْنِ المُختلِفتيْنِ على كلِّ واحدةٍ منهما: قِبْلةٌ، لمَنْ أَدَّاه اجتهادُه إلى كونِها قِبْلةً.


(١) فِى الأصل: "حرام".

<<  <  ج: ص:  >  >>