للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجوِابُ: أَنَّه قد نَصَبَ عليه دليلاً بحَسَبِ ما اقْتَضى، وهو أَنه اقْتَضانا بالظنِّ، ونصَبَ على الحكمِ أَمارةً ظَنِّيَّةً، وأَبانَ بها خَطَأَ المُخالِفِ أيضاً بطريقِ الظنِّ، فكما لم يَجبْ على المُكلًفِ المجتهِدِ أَن يَقْطَعَ بإِصابتِه؛ حيثُ لم يَجْعَلْ له على الحَكمِ دليلاً قَطْعِيّاً، كذلك لا يَجِبُ عليه المَقطعُ بخطأِ مُخالِفِه، وكان من جُمْلةِ ما سَهَّلَه إِسقاطُ المَأثمِ، ولم يَقْنَعْ بإِسقاطِ المَأثمِ؛ حتى جَعَلَ له على كلْفَةِ الاجتهادِ أَجراً؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -"إِذا اجْتَهدَ الحاكمُ فأَصابَ، فله أَجْرانِ، وإِذا اجتهدَ فأَخطأَ، فله أَجرٌ" (١).

ولأَنَّ الله سبحانه قد نَصَبَ على شًغلِ الذِّممِ بعدَ براءَتِها أَدلَّةً ظَنِّيَّةً، وأَوْجب الحكمَ بها في استحقاقِ الأَموالِ، ونقلِ الأَملاكِ، وإِراقةِ الدِّماء، واسْتِباحةِ الفُروج، وهي شهادةُ الشَّاهِديْنِ، ولم يَذلَّ ذلك على أَنَّ المالَ مُباحٌ للاِثْنيْنِ (٢): المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه، ولا أَن الدَّمَ مُستحَقٌّ (٣) غيرُ مُستحَق، ولا أَنَّ البُضْعَ مباحٌ حرامٌ، بل أَثْبَتَ هذه الحقوقَ بدَلالةٍ ظَنيَّةٍ وحُجَّةٍ غيرِ قطعيَّةٍ، وقَضَى بها على دَلالةِ القَطْع، وهي بَراءَةُ الذِّمَمِ الثابتةُ بدَلالةِ العقلِ؛ بأَن (٤) كان الحقُّ لجهةٍ واحدةٍ.


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢٩٤.
(٢) فِى الأصل: "الاثنين".
(٣) في الأصل: "يستحق".
(٤) في الأصل: "فان".

<<  <  ج: ص:  >  >>