للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابٌ أخر: وهو أَنَّ هذا حُجَّةّ عليهم؛ لأَنَّه مَن أَدَّاه اجتهادُه إِلى شيءٍ، وقَامَ الدَّليلُ عليه، لم يَجُزْ له اعتقادُ غيرِه، فلو كان الجميعُ حَقاً وصواباً، لجازَ تَرْكُه إِلى غيرِه، كالمُخَيَّراتِ كُلِّها في الكَفّاراتِ.

ومنها: قولُها: لاخِلافَ أَنَّ ترجيحَ الظواهرِ المُتقابلةِ يجوزُ بما (١) لايجوزُ أَن يُثبِتَ (٢) الحكمَ بنفسِه، وهذا يَدُلُّ على أنَّ دليلَ الحَكمِ هو الذي وَقَعَ فيه المُقابَلةُ، وأَنَّه إِذا تعارضَ ظاهرانِ، فقد قامَ دليل كلِّ واحدٍ مِنَ الخَصْمَينِ على الحكمِ؛ فدَلَّ على أَنَّ الجميعَ حقٌّ وصوابٌ.

والجواب: أَنَّا لانُسَلِّمُ؛ فإنَّه لايُرَجَّحُ أَحدُ الدَّليلَينِ على الآخرِ إِلاَّ بما يَجوزُ أَن يُجعَلَ دليلاً عندَ الكَشفِ والتَّقريرِ.

على [أنَّ] هذا هو حُجَّة عليكم، فإنَّه لو كان الجميعُ حَقّاً وصواباً، لما طَلِبَ تقديمُ أَحدِ اللَّفظَيْنِ على الآخرِ بضروبِ التَّراجيح، ولَمَّا عَدَلُوا عند التَّقابُلِ إِلىٍ التَّرجيح، دَلَّ على أَنه لايجوزُ أن يكونَ ما اقْتَضاهُ الظَّاهرانِ جميعاً حَقّا.

ومنها: قولُهم إِنَّ أَدِلَّةَ الأَحكامِ في مسائلِ الخِلافِ تَقَعُ مُتكافِئَةً، ليس منها ما يَقْتضِيِ القَطْعَ، أَلا ترى أَن كُلَّ واحدٍ من الخَصْمَيْنِ يُمكِنُه أَن يَتناولَ دليلَ خصْمِه بضَرْبٍ من الدَّليلِ، ويَصرِفَه عن ظاهرِه بضَرْبٍ من التَّأوِيلِ، ويُسنِدَ إلى دليلٍ، بحيثُ لا يصرفه لأحدِهما على الآخر مزية في


(١) في الأصل: "ما".
(٢) في الأصل: "ثبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>