الكَتبِ، فإنَّ التّهمةَ لا وَجْهَ لها هاهنا؛ لأَنَّ الذي نَفَى عنه تُهْمةَ ما يَأتِي به عن الوَحى من الأَحكامِ، نَفَى عنه تُهْمةَ ما يَاتي به من الأحكامِ عن الاجتهاد والرأيِ، وهو ظهور المعْجِزِ الدّالِّ على صِدْقِ ما ادَّعاهُ من النّبوَّةِ، بل ربَّما كان إِلى نَفْى التهْمةِ أَقربَ؛ لأَنه إِذا اجْتَهَدَ فاعْتَراهُ الخطأُ، رُدَّ عليه، ويَبْعُدُ عن الإِنسانِ أَن يَأتِيَ بما يكونُ كاشفاً عن خطئِه، فإِذا اجتَهَدَ بتجويزِ الشَّرع له الاجتهادَ، تَبَرَّأَ من التُّهمةِ؛ حيثُ كان اجتهادُه عُرْضةً للرَّدِّ عليه بم من الله تارَةً؛ فإِنَّه لايُقِرّه على الخطأ، ومن أُمَّتِه أخرى؛ بحيثُ إِنهم لايُمسِكُونَ عن المَشُورةِ بالرايِ.
ولأَنَّ تَعلّقَك بأَنه عُرْضةُ اعتراضِهم عليه المُزِيلِ لأُبَّهة النّبُوَّةِ، غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ ذلك لو كان مِمّا يَجِبُ صِيانتُه عنه، لأَنْكَرَ عليهم اعْتِراضاتِهم عليه، وما زالوا يَعْترِضُونَ والوَحيُ لايُنْكِرُ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصِبرُ عليهم، ولو تَتَبَّعْنا ذلك لأَطَلنا؛ لكنا نَذكُرُ طَرَفاً من ذلك: وهو اعنزاضُهم عليه في وُضُوئِه من بِئْرِ بُضاعةَ، والإِجابةِ لبيتِ قومٍ، وعدم إِجابتِه لآخَرِينَ، ومُواصلتِه في الصَّومِ مَعَ نَهْيِه لهم عن الوِصالِ، وأَمْرِه إِيَّاهم بفَسخٍ الحَجِّ ولم يَفسَخْ، واعتراضُهم عليه يومَ عُمْرَةِ القضاءِ، لَمَّا أَجابَ قُريشا إلى ما اقتَرحوا عليه، ورَدِّه لأَبي جَنْدَلِ، حتى قالوا: ففيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ من ديينا، (١والله يقولُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} ١)؛ [الفتح: ٢٧]، وقولُهم: ما بالُنا نَقصُرُ، وقد أَمِنا؟ حتى أَحْرَجُوه إِلى الأَجوبةِ عن
(١ - ١) وقعت هذه الجملة في الأصل بعد قوله: "وقد أمنا" ورأيْنا أن الصواب الموافق للسياق إثباتُها في هذا الموضع.