للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: إِنَّ النبيَّ لايقال: إنَّه قادر، بل راج لنزو الوحي، وإِلاَّ فأَيُّ قدرةٍ له على نزول حبريلَ عليه، وإِنزال الله إليه؛ بلِ ذلك إلى الله تعالى، يوضح هذا: قولُه إِخباراً عن الملائكة: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: ٦٤]، وإنَّما غايةُ مايقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - إِنَّما (١) يَتَرجَّى ويتَوقعُ نزولَ الوحي عليه، وهذا أَمرٌ لايمنعُ من الاجتهادِ فيما لم يَنزِلْ فيه وحي، ولم يُتلا فيه نصٌّ، أَلا ترى أَنَّ آحادَ أُمته من أَصحابِه ومعاصريه قادرونَ على سؤالِه عن أَحكام الحوادثِ التي لانصَّ فيها عندهم؛ كمعاذٍ لما بعثه إِلى اليمن، أَقرَّه على قوله: أَجتهدُ راي، ومدحَه على ذلك، وسماه موفقاً، وكان في إمكانِ معاذٍ الكتابةُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالسُّؤال، لكنَّه لم يُوجِبْ عليه ذلك، ولا منعَه من الاجتهادِ مع وجودِ هذا الطريق، وكذلك سماعُ الصَّحابةِ بعضهم من بعضٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وخبرُ الواحد عنه ظنٌّ، وسؤالُه وجوابُه لسائِله قطعٌ، ومعٍ هذا سَمِعُوا الأَخبارَ في مدينتِه عنه، ولا إِنكار منه لذلك، ولاحثّ أَحدا منهم على العدولِ عن سماع الخبرِ عنه إِلى سماع القول منه.

ولأَنَّ الله سبحانَه كان قادراً على جعل طريقِ الأَحكامِ كلِّها النصَّ القاطعِ، ثم إنَّه غاير بين الطرق إِلى الأَحكام، فجعل بعضَها نصاً، وبعضَها ظاهراً، وبعضها وَكَلَهُ إِلى مجرَّد الاجتهادِ، وهو عُرضةُ الخطأ؛ فإمَّا أَن يكونَ ذلك تحَكماً منه سبحانه، فلا يُستنكَرُ أَن يفعلَ في حقِّ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ما فعلَ في حقِّ الأُمَّةِ، ولا فرقَ في التشريع بين ما يَعُمُّ أَو يَخُصُّ، أَو يكونَ


(١) في الأصل: "إنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>