دْلك معلَّلاً بأَنَّه سبحانه قصدَ تكليف ذوي العقولِ استخراجَ المعاني، واستنباطَها من النّصوص والظَّواهر؛ ليُثيبَهم بذلك الاجتهاد الذي هو أَعمالُ القلوبِ، كما أَثابهم على أَعمال الأَبدان، وكلُّ ذلك جائزٌ على الله سبحانه، حسنٌ في العقل، لا يمنعُ منه مانعٌ، ولا يناقضُ أَصلاً من أُصولِ الشرع.
ولأَنَّه يجوزُ أن يَحْكُمَ بنص واقعةٍ أَو حادثةٍ مع تجويزِه أن ينسخَ الله ذلك النَّصَّ بغيره، ممَّا يُوجِبُ تغييرَ حكمِ ذلك النصِّ، وكذلك في أَعصارِ الصَّحابة والتابعين بعدَه، يجوزُ الاجتهادُ لكلِّ واحدٍ منهم في صُقْعِهِ وزاويته، وإن جازَ أَن يكونَ قد سبق اجتهادَه ما يجري مجرى النَّص في العصمةِ والقطع، وهو الإِجماعُ على حكمِ الحادثةِ.
ومنها: أَنّه لو كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يحكم بالاجتهادِ، ما كَفَرَ مَنْ خالفَ أَمرَه، ولمَّا أَجمعنا على أَنَّ مَنْ خالفَ أمرَه كفرَ، كان ذلك دليلاً على أَنَّ أَمره لايقعُ عن طريقٍ مظنونٍ؛ لأَنَّه إِنَّما يَكفُرُ الإِنسانُ بمخالفةِ القطع.
والجواب: إِنما كفرَ بتكذيب ما ضمنَ الله سبحانَه عصمتَه، وإقامةَ الدلالةِ القاطعة على صدقِه، وبقوله:{مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]، ولا علينا ممَّن صَدَرَ ولا عمَّا صدرَ؛ كالإجماع إِذا كان على حكم، وجبَ اتباعُه، وإِن كان الإِحماع قد يصدُرُ عن قياسٍ، أَو خبرِ واحدٍ، وهو مثلُ الإِجماع، من حيث إِنَّ الإِجماعَ معصومٌ عن الخطأ، والنبيُّ لايُقَرُّ على خطأ.
ولأَنَّه يجوزُ أَن يكونَ كفرُه بم لأَجل أَنَّه كما يُخبِر عن اجتهاده، قد يُخبِرُ