للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخروجه، وقطع عَرْصتِها خارجاً، عاصياً، بل متخلِّصاً وتاركاً، وكذلك مَن طلَعَ الفجرُ عليهِ وهو مخالطٌ لأهلِه نَزَعَ، وإنْ كانَ النَّزعُ تصرُّفاً في الفرج بعدَ طلوع الفجرِ، لكنْ لمّا كانَ بتصرُّفِه تاركاً، خرجَ عن كونِه آثماً، وكذلك غاسلُ الطيبِ عن ثوبهِ وبطنِه وظهرهِ بيدهِ، هو مُطيِّبٌ لها، لكنْ لمّا كانَ قصدُه الإزالةَ، لم يُعَدَّ بالغسلِ باليدِ مطيِّباً لليدِ، كما لم يُعَدَّ واطِئاً بالنًزع لذَكَرِه من الفرج [فلا خلاف] في الإثم، وإنِ اختلفوا في التكفيرِ، فما اختلفوا في معنى التأثيمِ.

فإنْ قيلَ: هو الذي ورَّطَ نفسَه، وأَلْجأَها إلى التصرُّفِ في مِلكِ (١) الغيرِ، والوقوفِ على الجريح، والنَّدمُ في قلبِه لا يُزيلُ الإصرارَ المحسوسَ بتصرُّفِه في دارِ المغصوبِ منْهُ، وذات المجروح، فصار كالاعتذار من الجاني إلى غير المجني عليه، وكُلُّ ما يتجدَّدُ مِنَ التصرُّفِ، فهو الذي أحوجَ نفسَه إليهِ، وهذه جناياتٌ مبتدأةٌ، فلا تغني التَّوبةُ معَ بقائها؛ لأنَّها ندمٌ معَ ملابسةٍ، وذلك عينُ الإصرار.

وفارق حدوث الجنابةِ على مَن دخلَ المسجدَ غيرَ مُحدِثٍ، ودخلَ دارَ الغيرِ وهو مالكٌ؛ لأنَّ الحدثَ تجدَّد، وملكَ الغيرِ تَجدَّدَ، وما سبقَ منه فعل منهيٌّ فاستَدامَه، وها هنا سبقَ منه الغصبُ، والدُّخولُ إلى الجرحى مقتحماً للنهي، فجميعُ ما يتوالى من دوامه فهو عصيانٌ صورةً ومعنى، فلا سبيلَ إلى صحَّةِ التوبةِ إلاّ بعد زَوالِه.


(١) في الأصل: "تلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>