للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قيلَ: لا نُسلِّمُ هذا جميعَه، بلْ كلُّ أثرِ معصيةٍ معصيةٌ إلى أنْ يَزولَ، وتعْقُبَه التوبةُ، وقدْ جاءَ في السُّننِ ما يشهدُ لهذا المنع، قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ سنَّ سنَّةً سيِّئةً كانَ عليه وِزْرُها، ووزرُ مَنْ يعملُ بها إلى يومِ القيامةِ" (١) ووردَ في الخبرِ: أنّ الداعيَ إلى البدع إذا تابَ، قيلَ لَه: وكيف بمنْ أضللْتَ (٢)؟ وعن ابنِ عباسٍ في القاتلِ: وأنَّى لَه التَّوبةُ (٣)؟ وإنَّما قالَ ذلك في القتلِ، لأَنَّه أثرٌ لا يمكنُ تلافيهِ بالإزالةِ.

قيلَ: إذا لم تُسلِّم، دلَّلْنا عليه بأنَّنا أَجْمَعْنا على أنَّ الحاصلَ في دارِ الغيرِ غصباً مأمورٌ بالخروج عنها، فإذا ثبتَ أنَّه مأمور، فخروجُه طاعةٌ لأمرِ اللهِ، فلا يجوزُ أنْ يكونَ معصيةً وهو حركةٌ واحدةٌ، فيكون بها طائعاً منْ حيثُ كانَ تاركاً، عاصياً مِنْ حيثُ كانَ في الدارِ ساعياً؛ إذْ لا يجتمعُ النًقيضانِ للفعلِ الواحدِ، وبهذا المعنى مَنعْنا صحَّةَ الصَّلاةِ في الدّارِ المغصوبةِ، وحَكَمْنا بإبطالِها، حتى لا تجتمعَ الطّاعةُ والعصيانُ في كونٍ واحدٍ.

فإنْ قيلَ: فذاكَ هو الحجَّةُ [عليكم]؛ لأنَّكم غلَّبتُم المعصيةَ على


(١) تقدم تخريجه ٣/ ٢٢٤.
(٢) أخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (٢٨٧)، ورواه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" ٢٨ - ٢٩، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ١٦/ ٢٣ - ٢٤، وقال: إنه من إلاسرائيليات.
(٣) أخرجه أحمد (١٩٤١) و (٢١٤٢)، والترمذي (٣٠٢٩)، وابن ماجه (٢٦٢١)، والنسائي ٧/ ٨٥ و ٨/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>