للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهِ؛ كالديون، وسائرِ الحقوق، ومعلوم أنَّ المحسنَ لوْ صرَّحَ عقيبَ إحسانِهِ بالمطالبةِ بشكَر (١) إحسانِهِ، لتَكدَّرَ إحسانة بمطالبتِهِ.

وقد احتجَّ بعضُهم فيها بقولِهِ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦]، وهذا أمر مطلق، فاقتضى الوجوبَ.

فيقالُ: هذا مصروف عن الإيجابِ إلى الندبِ بأدلتِنا، ولأنَّا لا نمنعُ إيجابَ الشَّرع لأمورٍ (٢) لا يوجبُها العقلُ، وكلامُنا هلْ يجبُ في العقلِ؛ على أنّكم لا تقولونَ بِهِ، وهوَ أَنّه لا يجبُ إلا الشكرُ، فأمّا المقابلةُ بالأحسنِ وما يُرْبي على الإحسانِ، فلا يجب.

ولأنَّ الآيةَ لوْ كانتْ على ظاهرِها، لصارتْ إيجاباً، ولابتدأت (٣) بالإحسانِ كلفاً على المُحسَنِ إليهِ، وتثقيلاً بإيجابِ الشكرِ والزيادةِ على الإحسانِ، وذلكَ يثقلُ فعلاً، وقولاً، وبذلاً للمالِ، ويصيرُ كطروح السَّلاطينِ على السُّوقة لأموال لا يحتاجونَ إليها، وإيجابِ أوفى الأثمان عليهم في مقابلتها، والبارئ سبحانه خَففَ ردَّ السلام، وجعلَه فرضاً على الكفايةِ؛ حيثُ علمَ أَنّه يثقلُ الجوابُ لكلِّ مسلِّمٍ معَ كثرةِ أشغالِ الناسِ المانعةِ منْ تتابع الرَّدِّ على المبتدئِ بالسَّلامِ (٤) , فوسعَ بالنيابةِ، واكتفى


(١) في الأصل: "فيسكر".
(٢) في الأصل: "بامور".
(٣) في الأصل: "النحايا والابتدات".
(٤) في الأصل: "السلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>