للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيزيدُ منَ الإحسانِ إلى الشاكرِ، أوْ يستديمُ إحسانَهُ إليهِ لموقع الشكرِ منْهُ، أوْ ليحصلَ لَهُ النفعُ، والله سبحانَهُ لَيْسَ منْ هذا القبيلِ، فما حصلَ لنا الطريقُ إلى شكرِهِ على فائض إِحسانِهِ إلاَّ بما جاءَتْ بهِ رسلهُ صلواتُ اللهِ عليهمْ، وأمَّا شكرُ بعضِنا لبعضٍ، فلدلائلَ قامت، وعاداتٍ دلتْ علي المقابلةِ، فأمَّا العقلُ، فإنَّه لا يوجبُ ذلكَ، لما بينَّا منْ أنهُ يخرجُ إلى حَيِّزِ المعاوضةِ لا الإحسانِ؛ ولهذا لم يوجب الشرعُ على مَنْ قُدِّمَ بينَ يديه طعامٌ شهيٌّ، أو أُفيضَ على ثوبِهِ طِيبٌ ذكيٌّ، أو سُقيَ شربةً منْ ماءٍ على ظمأٍ، أو حُمِلَ على ظهرٍ بعدَ التعبِ والإعياءِ، عوضاً عنْ جميع ذلكَ، وإذا لم يوجبِ الشَّرعُ عوضاً، فلا بُدَّ أنْ يكونَ لعلَّةٍ، ولا يظهرُ أنْ تكونَ العلَّةُ إلاَّ إخراجَهُ مخرجَ الجودِ، لا المعاوضةِ والبدلِ، مِنْ غيرِ شرطِ مقابلةٍ، ولا دلالةِ حالٍ تدلُّ على العوضِ، بخلافِ ما استقرَّ مِنْ أجرِ الحماماتِ، والسَّفرِ، وأُجرة الحجامِ المتهدِّفِ، وإلى ذلكَ، وكذلكَ الشكرُ هوَ نوعُ عوضٍ، فلا وجهَ لإيجابِهِ على المُحسَنِ إليهِ مِنْ غيرِ عقدٍ ولا شرطٍ.

فإنْ قيلَ: العرفُ الوضعيُّ يوجبُ، وهوَ أنَّ كلَّ محسنٍ يقتضي الشكرَ على إحسانِهِ.

قيلَ: إذا كُشِفَتْ هذهِ اللَّطيفةُ، علمَ أنَّ اقتضاءَ المحسنِ للشكرِ (١) كالمستقبحِ المستهجنِ، وجَعلُ الشكرِ واجباً يُخرجُ الإحسانَ عنْ وصفِهِ، فإنَّ إضافة الإنعامِ إنَّما حَسُن ابتداءً، وبهذا وصفَهُ الله سبحانَهُ: {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: ٩]، وما كان واجباً، حسُنَ الاقتضاءُ


(١) في الأصل: "بالشكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>