للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك لا يجوزُ استفتاءُ الجاهلِ جاهلاً لتساويهما.

فإن قيل: أليس قد اسْقِطَ عن العاميِّ النَظَرُ في أدلة الأحكامِ؛ كذلك وجبَ أن يُسقَطَ عنه النَظرُ في أعيان المفتِين، ولا فرقَ بين الدليلِ والمسؤولِ في كون كل واحدٍ منهما مرشِداً.

قيل: إنَ في تكليف العاميِّ النَظرَ في أدلَةِ الأحْكام تعطيلاً للمصالح، وتكليفَ ما يَضُرُّ تكليفُه بالعالَم؛ لوقوف المَعايشِ وَتعطِل الأعمالِ، وقد بَيَّنَا قَدْرَ ما يحتاجُ إليه المجتهدُ من العلوم، وكفى بذلك شغلَاً عن أن يبقى معه مُسْكة لتحصيل رزقٍ أو نَفَقَةِ عيال، وليس كذلك البحثُ والسؤالُ عن حالِ المستفتَى، فإنَه أمرٌ قريبٌ سهل لا يتعذَّرُ ولا يتطاوَلُ زمانُه.

فلهذه المصلحةِ جعلَ الله تعلمَ العلمِ فريضةَ كفايةٍ، ولم يجعلْه فريضةَ أعيانٍ.

وأيضاً، فإن كلَّ مَنْ لَزِمَهُ الرجوعُ إلى قول غيرِه، أو كلَّ من وجبَ عليه الرُّجوعُ إلى قولِ غيرِه، وجَبَ أن يعرفَه؛ بدليل أنَ النَبى - صلى الله عليه وسلم - لمَا وجبَ الرجوعُ إلى قوله، وجبَ أن نعرفَه، وكذلك الأئمَّةُ والحكامُ لَما وجبَ الرجوعُ إلى قولهم، وجبَ معرفتُهم، كذلك وجبَ على العاميِّ معرفةُ المجتهدين وأئمةِ الحَلِّ والعَقْدِ (١).

فإن قيل: أفليس يكفيه أن يُخبِرَه عن العلماء الواحدُ والاثنان ومَنْ لا يقعُ العلمُ بخبرِهم، ولا يعتبرُ من يقعُ العلمُ بخبرهِم وهو عددُ


(١) انظر" شرح مختصر الروضة" ٣/ ٦٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>