للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الواحدُ والاثنانِ سواءً في أنهما غيرُ موجِبيَنِ للعلم، فكانت الطُّمأنينةُ تقعُ مع قولِ (١) الواحدِ كما تقعُ مع قولِ الاثنينِ، وقَدَّرَ اللهُ شهادةَ الاثنين في بعضِ المواضعِ، وهذا يدلّ على أن أمرهما تعبدٌ.

ومما يَدُل على أن ما يجبُ للعلتين لا يرتفعُ إلا بارتفاعِهما: أنه إذا ارتفِعَ فإنما يرتفعُ إلى ضده من وجودٍ أو عدم أو هيئةٍ، ومتى كان محتاجاً إلى علتين، كان ضده أيضاً محتاجاً إلى علَّتين، ومتى كانت المضادَّةُ واقعةً بينهما، كانت أيضاً واقعةً بين عللهِما؛ لأن العللَ لو اجتمعَتْ لوقعتِ المعلولاتُ، وإذا كان هذا هكذا؛ لم يَجُزْ وقوعُ ضدِّه وإحدى علتَيْهِ موجودةٌ، ولو جازَ ارتفاعُه بارتفاعِ إحدى علَّتيه، جاز وجودُه بوجودِهما، ولو جازَ هذا لم يَكُنْ بين ما يقعُ لعلتيْنِ وبين ما يقعُ لعلةٍ واحدة فصلٌ.

فإن سأل سائلٌ في هذا الباب عن ساجَةٍ (٢) لا ترتفعُ عن الأرض إلا برَجُليْنِ، فقال: حدثْنا إذا رامَ أحدُهما رفعَها فلم تَرتَفعْ، ثم جاءَ الثاني فارتفعت، أليس الرفعُ حينئذٍ للثاني وحدَه، كما أن التفريقَ للقَفيزِ الزائدِ وحدَه؟ وقَرَّرُوا الإِلزامَ بأن الرفعَ اعتمادٌ كما أن العومَ في الماء اعتمادٌ، وليس بينهما فرْق قادحٌ إلا أن أحدَهما إلى فوقَ والآخرَ إلى أسفلَ.

يقالُ له: الفرقُ بينه وبين أثرِه في السَّفينةِ: أن الكُرَّ كان في السفينةِ وهي سليمةٌ سالمةٌ من الغرقِ، فلما جاءَ القَفيز غَرِقَتْ، فعُلِمَ


(١) في الأصل:"القول".
(٢) هي الواحدة من السَّاج، وهو خشب يجلب من الهند. "اللسان" (سوج).

<<  <  ج: ص:  >  >>