للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو ما يُبنى بعضُه على بعض من الأفعال، وما لا يُبنى عليه، بل يُلغى وُيجعلُ الحكمُ لغيره، وذلك يُشكِلُ بما ذكرناه من إشكال ما هو العِلَّةُ مما ليس هو العِلَّةَ، مثل ضعفِ كِبَبر أو مرض أو طفولةٍ، توجدُ معه جِراحة أو ضرب من جهة آدمي، وجراحبه يتعقّبُها سِرايةٌ بمرض لا يُزايلُه منذ الجراحةِ حتى يموتَ، فلا يُعلَّقُ على فعلِ اللهِ سبحانه الموجودِ قبل الجراحةِ من ضعف الطفولةِ والكِبَرِ والمرضِ، وفعلِه الموجودِ بعد الجراحة، سيَّما على قول أهل السنةِ وأنه ليس بمتولّدٍ عن الجراحةِ، فلا يُجعلُ لفعل الله سبحانه حظ من إسقاطٍ عن الجاني كما لو كان شريكُه آدمياً، بل يجعلُ كأنه انفردَ بالقتل، وتُغلَّظُ جنايتُه في المَحَلِّ الضعيف بالصِّغَرِ والكبَرِ والمرضِ، حتى إن الضربةَ التي لا يتعلَّقُ بها القَوَدُ على الضارب للكبير المشتَدِّ والصحيح (١) يتعلقُ بها القَوَدُ على الضارب للطفلِ الصغير والشيخِ الكبيرِ والمريض المدنَفِ (٢)؛ إذ كانت قتلاً لمثله في مطردِ العُرْفِ، ولم يقل: إن فعلَ الله أعانَ على قتلِه، فيصيرُ شبهة في القتل؛ إذ تَرَددَ زهوقُ النفسِ بين ما يُوجبُ بانفراده -وهو فعلُ الاَدميِّ -وبين ما لا يُوجِبُ- وهو فعلُ الله سبحانه-، ونقطعُ على أن فعلَ الآدميِّ لم يَتحققْ مزهِقاً، بل الضعفُ المستولي على النفسِ بالمرضِ والكِبَر والطُّفولةِ كان مساعداً أكبرَ مساعدةٍ.

وذهب قوم إلى أن الضربَ بالعصا وإن كَثرَ عددُه لا يوجب القَوَدَ، وهذا نحوُ ما نحن فيه؛ لأنهم اعتَلوا بأن الضربةَ التي مات عَقِيبَها هي


(١) في الأصل: "ولا".
(٢) رجل مدنف: براه المرض حتى أَشْفى على الموت. "اللسان" (دنف).

<<  <  ج: ص:  >  >>