للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعقليَّةُ لا تحتاجُ في إيجابِها للحكمِ إلى شرطٍ؛ لكونها (١) موجبةً غيرَ علامةٍ للحكمِ، ولا أمارةٍ عليه (٢)، ولا دَلالةٍ.

فصل

ومن الفروقِ أيضاً بينهما: أن العِلَّةَ العقليَّةَ لا بُدَّ أن تكونَ منعكِسةً، فالحركةُ عِلَّةُ كونِ المحلِّ الذي قامت به متحرِّكاً، فيجبُ من ذلك: أن كلَّ مَحَلٍّ لم تَقُمْ به الحركةُ، فلا يكونُ متحرِّكاً بحالٍ.

فأمَّا الشرعيَّةُ: فلا يُشترطُ لها العكسُ؛ فإنَّا إذا قلنا: كلُ شراب قامت به الشِّدَّةُ حرامٌ، لا يَلزمُ منه: أن كلَّ شرابٍ لم تَقُمْ به الشِّدَّةُ حلالٌ، وكان المعنى فيه: أن العقليَّةَ موجِبةٌ والشرَعيَّةَ أمارةٌ.

والأماراتُ والدَّلائلُ قد تَدلُ على الشيءِ فيُعلمُ، وليس إذا لم تَدُلَّ يُعدَمُ، وأما العقليَّةُ فموجِبةٌ، والموجبُ إذا وُجدَ أوجبَ موجَبَه لا مَحالةَ، فإذا لم يُوجَدْ لم يُوجَدْ موجَبُه لا مَحالَةَ.

ولأن العلَّةَ الشرعيَّةَ كما تَدُلُ على الحكمِ يَدُلُ غيرُها عليه، فإن الحكمَ الواحدَ من أحكام الشَّرعِ يَثبُتُ بعلَّتَيْنِ، فإذا زالَتْ إحداهما بقيتِ الأخرى، فلذلك لم يَكُنْ من ضرورةِ انعدامِها انعدامُ الحكمِ.

بيانُ ذلك: أن التَّنجُّسَ حكمٌ يَتعلَّقُ بالمحلِّ، تُوجِبُه علًتان: الاستحالةُ، وملاقاةُ نجاسةٍ، فإذا زالتِ الملاقاةُ، بقيتِ الاستحالةُ مستقلاً بها الحكمُ، وإن زالتِ الاستحالةُ، بقيتِ الملاقاةُ، فلم يَنْتَفِ


(١) في الأصل: "بكونها".
(٢) في الأصل: "علة".

<<  <  ج: ص:  >  >>