للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك يُسوي العقل بين الصُّوفِ والشَعَرِ؛ أنه إن كان في أحدِهما حياةٌ ففي الآخرِ حياةٌ. فهذا أيضاً جمعٌ قد قضى به العقلُ، ثم يُعتَبَر الشَعَرُ (١) بأنه لو كان فيه حياةٌ لآلَمَ من جهتِه الحيوانَ إذا قُطِعَ، فيظهرُ من عدم الألمِ والحِسِّ في الجملةِ أنه لا حياةَ فيه، وقد كان قضى العقلُ بالَتسويةِ بين الصوفِ وبين الشَّعَرِ، فإذا ظَهَرَ أنه لا حياةَ في الشَّعَرِ، ظهرَ أنه لا حياةَ فيِ الصوفِ، وإن كانت الدَّلالةُ التي في أحدِهما ليست موجودةً في الآخرِ.

فأمَّا التَّسويةُ المقيَّدة: فكما قضى العقلُ إن كان في الغائب عالِمٌ لا يَعلم، ففي الشاهدِ عالِمٌ لا يعلم، فهذا مقيَّدٌ بأنه إن استوت العلل والدلائلُ، فإذا اعتبِرَ فوُجِدَتْ دلائله مختلفةً، فإن الذي أوجبَ للعالِمِ في الشاهدِ عِلْماً كان به عالِماً -عند المعتزلةِ- هو كونه عَلِمَ مع جوازِ أن لا يَعلَمَ، أو يقول: هو تَغيُّره، والعالِم في الغائبِ لا يَتغيَّرُ، بطلت التسويةُ في ذلك، فهذا الاقتضاء عندهم وعلى زعمِهم على شبْهَةِ أن العقلَ قد أخرجَ فرقاً.

وعلى قولِ أهلِ السُّنَةِ: أن العللَ هاهنا متساويةٌ؛ لأن ما كان به العالِم عالِماً إنما هو العِلم وذلك يَعُمُّ الشاهدَ والغائبَ، فإن حصل فَرْقٌ، فإنما هو من حيثُ إن العلَّةَ في الغائب واجبةً، وكون العالِمِ عالِماً واجبٌ، وهذا يشيرُ إلى أصلٍ كبيرٍ، وأن اَلواجبَ ئعلَّل عند أهلِ السُّنَّةِ، وعندهم لا ئعلَّلُ واجبٌ، لاستغنائِه بوجوبِه عن معنىً.

ثم قالوا: عالِمٌ لذاتِه، وليست ذاته عِلماً، فوقعوا فيما هو أكثرُ من


(١) في الأصل: "الشرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>