واعلم أن للخَصْمِ إذا خاصَمَك وخالفَك في المُستَنْبَطاتِ كلَها أن يَسلُكَ منها -إذا استشهدَ بها- شيئاً شيئاً حتى يَبلُغَ إلى علوم الحِسِّ وبَدائِهِ العقلِ، فإذا بلغَ إلى ذلك، كان الكلامُ في وجهِ دَلالَتِه على ما يَستدلُّ به عليه، فلا تَستَبطىء قولَه: ولِمَ قلتَ ذا؟ وفي هذا اسألْ، لا تُنكِرَنَهُ إلا أن يضعَ المساءلةَ في موضعٍ قد جامعك عليه، فيكونُ حينئذٍ سائلَاً لنفسِه، ظالماً بإيقافِك المسأله موقفَ من قد بانَ منه في الأمرِ الذي قد ساواه فيه.
فصل
في لزومَ طريق أوَّلَ السُّؤالَ وآخِرِه
اعلم أن كلَّ سؤالٍ ابتدَأْتَه، فاتَّصلَ بما يُبطِلُ عِلَلَ المجيبِ في إفسادِه واحتجاجِه في دَفْعِه إيَّاه عن نفسِه، وبما يُبينُ عن حقيقتِه ووجوبِه، فهو ماضٍ على سَنَنٍ؛ لأن المتَّصِلَ به مسهِّلٌ طريقَه، مقرِّبٌ من نتيجتِه التي فيه.
وكلُّ سؤالٍ ابتدَأتَه، ثم اتْبَعْتَهُ بما يَخرُجُ عمَّا وصَفْنا، فهو منقطعٌ خارج عن سَنَنهِ، وأنت بما وصَلْتَه به كذلك.
فإن قال قائلٌ: كلُّ مسألةٍ في هذا البابِ تُوجبُ ما تُوجبُه أختُها، فينبغي إن كان ما وصفْتَ حقَّاً، أن يكونَ من سأَل عن مسألةٍ فانقطعَ