للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يَدُل على ذلك: أنه إذا أفسدَ عِلَّةَ (١) ما ادَّعاه، ولم يُفسِدْه، كشفَ عن وجهِ المسألةِ بعينِها، وأوجبَ وقوفَها، وأخرجَ المجيبَ إلى تحديدِ الجوابِ عنها، وجعلَ لنفسِه الرجوعَ إليها، واقتضى جوابَها، فلولا أن ما كان من إفسادِه له منها وفيها، لم يُحقَقْ وجوبَها، وُيوجِبْ وقوفَها، ويزيدُ في قوَّتِها وجَذْبِها، وُيخرِجُ إلى اشْتِيافِ (٢) غيرِ ما مضى من الجواب عنها، وليس كلُّ ما هو هكذا خروجاً عن المسألةِ، فما في الدنيا كَلام يمكنُ اتصالُه بابتداءِ السؤالِ، واعْتَبِرْ هذا تجِدْه.

واعلم أن كلَّ ما قَوَّى المسألةَ فهو من بابِها؛ لمعاضدتِه إيَّاها ومعونتِه لها، وليس لأحدٍ منعُ صاحبِها منه، لأنه إنما يجبُ عليه أن يأتيَ بمسألةٍ كاسرةٍ للمذهب، واجبةٍ على المجيبِ، ثم يُقَويَها، وُيحقَقَ وجوبَها كيف ما أمكنَ ذلَك ويسهلُ، وما اقتراحُ من يَقترِحُ عليه تقويةَ المسألةِ من وجهٍ دونَ وجهٍ إلا كاقتراحِه عليه ابتداءَها من وجهٍ دون وجهٍ، فإذا كان الاقتراحُ في الابتداءِ فاسداً، كان في التَّمامِ كذلك.

فصل

واعلم أن كثيراً من الجُهّالِ بحقائقِ النَظَرِ وقوانينِ الجَدَلِ يَتوهمون المسألةَ كلمةً واحدةً مَنْ تجاوزَها فقد جاءَ باخرى من غيرِ جنسِها، وخرجَ عن واجبِها، وفي الحقيقةِ أن كلُّ استخبارٍ تَمَّ وفهِمَ معناه فهو


(١) كتبها الناسخ: "علتها".
(٢) اشتاف فلان يشتاف اشتيافاً: إذا تطاول ونظر، وتَشَوفْتُ إلى الشيء: أي تطلعْتُ."اللسان" (شوف).

<<  <  ج: ص:  >  >>