يصح الأولُ؛ وذلك أنه إذا صحَّ الفعلُ، فلا بُدَّ من فاعلٍ، وكذلك لا بُد من حَيٍّ قادرٍ، وإذا صحَّ الفعلُ متقَناً محكَماً، فلا بُدَّ من عالِمٍ، وإذا صحَّ عالِم، فلا بُد من معلومٍ، ولا بُد من علمٍ على مذهبِنا شاهداً وغائباً، وعند المعتزلةِ: لا بُد من علم شاهدٍ دون الغائبِ، لدعواهم أن الواجب لا يُعللُ، وكذلك إذا صحَ قادرٌ، فلا بُد من مقدورٍ، ولا بُد من قُدرةٍ على قولِنا شاهداً وغائباً؛ لأنها عِلَّةُ كونِ القادرِ قادراً، كما أن العلمَ عِلَّةُ كونِ العالِمِ عالِماً، وكذلك سبيل الرائي لا بُدَّ له من مَرئِيٍّ، والسامعُ لا بد له من مسموع وسمع، وإذا لم يصح مسموعٌ، لم يصحَّ سامعٌ.
فصل
وكل استدلالٍ: فهو طَلَبُ الدَّلالةِ، كما أن الاستعلامَ: طلبُ العلمِ، وكما أن الاستخبارَ: طلبُ الخَبَرِ، والاستفهامَ: طلبُ الفهمِ، والاستنطاقَ: طلبُ النُّطقِ، والاستشهادَ: طلبُ الشَّهادةِ، والاستخراجَ: طلبُ الخروجِ، والاستحضارَ: طلب الحضورِ، والاستنصارَ: طلبُ النصْرةِ، فالاستدلالُ: طلبُ الدَّليلِ، واللهُ أعلمُ.
فصل
وكل مُستدِل فهو بمنزلةِ المُستنطِقِ لشيءٍ من الأشياءِ، إمَّا على الاستشهادِ، وإما على جهةِ الاستذكارِ، وطريقةُ الاستذكارِ والاستحضارِ والاستخراجِ واحدةٌ، إلا أن الاستذكارَ لِمَا قد كان خطَر على البالِ، ولِمَا لم يكن خطرَ بالبالِ، كانك تطلبُ منه معنىً غريباً لم يكُنْ خطرَ على البالِ قَبْلُ.