للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل مُستدَلٍّ من جهتِه، فهو مسؤول أو بمنزلةِ مسؤول، فالمسؤولُ كالعالِمِ، والذي بمنزلةِ المسؤولِ كالكتابِ الذي يُوضَعُ على حِكْمةٍ، أو الفكرِ الذي يُقدمُ (١)، لصاحبه ما يَقْوى به على استخراجِ العلوم القياسيةِ، ومَرْتَبةُ المستدَلِّ من جَهتِه أدت يكونَ مجيباً أو بمنزلةِ المجيبِ.

وكلُّ مستدَل عليه، فهو الغَرَض المطلوبُ، وهو المسؤول عنه، والمعتَمَدُ في الجواب عليه؛ لأن حق الجواب أن يكونَ عما وقعَ عنه السؤالُ، فالمطلوبُ فَي السؤالِ هو المطلوب البيانُ عنه في الجواب؛ لأن الذي يَسألُ عنه السائلُ هو الذي يجيبُ عنه المجيبُ.

وكلُّ استدلال فهو استخراجُ المعنى من جهةِ شيء من الأشياءِ: إمَّا بالسؤالِ، وإمَّا بما كان بمنزلةِ السؤالِ من الاستشهادِ؛ لأن المجيبَ إذا كان مُستشهِداً للدَليلِ فكأنه مُسْتَخبِرٌ له مُستخرج ما عنده، فتحصيلُ الشواهدِ من أكبرِ آلاتِ العِلم.

مثالُ ذلك: الفعلُ يشهدُ بأنه لا بُد له من فاعلٍ، وأنه لا بُدَّ أن يكونَ فاعلُه قادراً عليه، والحكمةُ تشهدُ بأنها لا تكون إلا من عالِمٍ، والتَدبيرُ يشهدُ بأنه لا يكونُ إلا من قاصدٍ، والصُّنع يشهدُ بأن صانعَه إن كان غيرَ مصنوع فهو قديمٌ، ويشهدُ بأنه إن كان لا صانعَ إلا مصنوعٌ، تسلسلَ إلى"ما لا نِهايةَ له، والتغيرُ يشهدُ بالحدوثِ، وأنه لا بدَّ من أن يكونَ نفسُ المتغيرِ قد حَدَثَتْ له (٢) عِلة كان بها متغيراً، وإلا وجبَ أن يكونَ على ما كانَ لم يَتغيرْ، والعلمُ يشهد بأنه لا يكون إلا


(١) في الأصل: (يتقدم).
(٢) في الأصل: (أو)، ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>