من عالمٍ به قبلَ كوبه أو مدلولٍ عليه، فإن ذلك لا بُد من أن ينتهيَ إلى عالِمٍ، وإلا تَسَلْسَلَ إلى ما لا نهايةَ له، وأن العالِمَ لا يخفى عليه شيءٌ من وجهٍ من الوجوه؛ لأنه [لا] شيءَ إلا ويَصِحُّ أن يَعلَمَ غيرُه إيَّاه: إمَّا بالضرورةِ، وإما بالدَّلالةِ.
والعلمُ يشهدُ بأن العارفَ بالشيءِ على ما هو به لا يخفى عليه من وجهٍ من الوجوهِ لا بُدَّ أن يكونَ حَيًّاً؛ لأن معنى حي: يصح أن يُدْرِكَ.
ويشهدُ بأن الشيءَ الذي لا يجوزُ عليه الانقسامُ واحدٌ في الحقيقةِ، وأن الواحدَ على الحقيقةِ لا يكونُ جسماً؛ لأن الجسمَ مؤلَف من أجزاءٍ وجواهرَ هي أعداد.
ويشهدُ بأن القادرَ الذي لا يُعجزُه شيء لا يجوزُ أن يُساويَه شيءٌ في مقدورِه؛ لأنه يَلزَمُ أن يكونَ وجودُ كلُّ واحدٍ منهما مَنْعاً للآخَرِ من أن يفعلَ؛ لاستحالةِ مُمانَعَتِه له بفعلِه؛ إذ ليس وجودُ الفعلِ الذي يقعُ من أحدِهما بأولى من الآخرَ، فلا يوجدُ واحد منهما.
ويشهدُ بأن القديمَ لا يصحُّ أن يصيرَ غيرَ قديمٍ؛ لأنه ليس بداخل تحت المقدورِ؛ إذ لو كان داخلًا تحت المقدورِ، لم يصح أن يُوجَدَ إلا بإيجادِ موجودٍ.
والتَغيرُ يشهدُ بأن الجسمَ إذا لم يَخْلُ منه فهو محدَث؛ لأن المغيرَ له لا بُدَّ من أي يكونَ قبلَه ليفعَلَ فيه التَغييرَ.