أنه لم يَعْرَ المُنكِرُ من دَلالةٍ، وإنما كانت دَلالتُه دلالةً مخصوصةً، وليس الكلامُ في كيفيَّة الدَّلالةِ، لكنْ كلامُنا (١) في أصل الدَلالةِ، وما قُنعَ من المُنكِرِ إلا بدَلالةٍ وحجةٍ على صحة إنكارِه.
ويقالُ لصاحب هذه المقالةِ: إنك مُقابَلٌ فيما تعلَّقْتَ به من الإِنكار للمال بما أجْمَعَ عليه العلماءُ من وجوب الدليلِ على مُدَّعي التوحيدِ ومثبتِه، وليس حقيقةُ التوحيدِ إلا نفيَ التَّثْنِيَةِ والتَّثْليثِ، فإن إثباتَ الصانع أصل، والتوحيدُ مبنى عليه، فلا فَرْقَ بين قولِ القائلِ: دُلَّ على إثبات الواحدِ، وبين قولِه: دُل على نفي ما زادَ عليه، ومن أرادَ أصلَ الإِثباتِ قال: دُلَّ على الصانعِ، وليس إثباتُ الصانعِ من التوحيدِ في شيءٍ؛ لأنه ليس من ضرورة الصنعةِ أن تَصدُرَ عن واحد، لكن وجبَتِ الوَحْدَةُ للقديم سبحانه حيثُ كان التَمانُعُ دالّاً على وَحْدَتِه من حيث كونُه قديماً كاملَ الذَاتِ والصَفاتِ، واستحالَ الكمالُ بلزوم العَجْزِ. عند إثباتِ الثاني، فوجبَ كوُنه واحداً، فبانَ بهذه الجملةِ: أن التوحيدَ نفيٌ في الحقيقة لِما زادَ على الواحد، وقد وجبَتِ الدَلالةُ عليه.
ويقالُ له أيضاً: هل بين إنكارِك لما أنكرْتَه، وبين إقرارِ خصمِك به فرقٌ ظاهر للحِس أو للعقل؛ فإن قال: لا، فقد صارَ إلى أنه لا فَرْقَ بين الحقِّ والباطلِ، وإن قال: نعم، قيل له: فهل يَلزَمُ دليلُ الفرقِ