للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهما؟ فإن قال: لا، فقد صار قائلًا بالفرقِ بين مَذهبينِ لا لِمُفرق (١)، وذلك باطل أيضاً، وإن قال: بلى يَلزَمُني دليلُ الفرقِ. فقد أَقَر بأنه يَلزَمُه إقامةُ الدَّلالةِ عليه، وفي هذا يطلانُ حيلتِه.

ويَدخُلُ على أصحاب هذه المقالةِ أن يُسقِطُوا إقامةَ الحُجَّةِ عن نافي (٢) الرَّبِّ، والرُّسلِ، والكتب، والشرائعِ؛ لأنهم مُنكِرون، والمُنكِرُ لا بَيِّنةَ عليه في أن نفيَه اوْلى بَالحق من إثبات خصمِه، وإنما يجبُ هذا على المُقِرِّ، ومن صار إلى هذا أبطلَ مسائلَ المُوحَدينَ على المُلحِدينَ.

فإن كان المُتعلق بهذا مُلحِداً، بَطَلتْ مسائلُه على أصحاب الحدوثِ؛ لأنهم منكرون القِدَمَ وهو يُقِرُّ به، والمُنكِرُ لا بَيِّنةَ عليه، إنما البيِّنةُ على من اقر به، فإن قال: إذا ادعيت [القِدمَ] (٣)، فلَعمْرِي إن على إقامةَ البَينةِ عليه، فأمَّا إنكاري للحَدَثِ فليس عليَّ فيه بَينةٌ. قلنا له: حدِّثنا، هل بين الحَدَثِ والقِدَم منزلةٌ؟ فإذا قال: لا، قلنا له: فهل يجوزُ أن يجتمعا؟ -وإنما نسأل عَن الاجتماعِ الذي ينكِرُه-، فإذا قال: لا، قلنا له: فإذا لم يَكنْ بينهما منزلةٌ واستحالَ اجتماعهما، أفليس قد يجبُ أن يكونَ دليلُ صِحةِ أحدِهما دليلاً على فسادِ الاَخَرِ؟ وإلا فكيف تَعلَمُ فسادَ الثاني إذا عَلِمْتَ صحةَ اْلأولِ؟ وإذا كان هذا كذا، فقد وجبَ أن دليلَ الِإنكارِ، فإنما تجبُ الإِشارة إليه والدَلالةُ به؛

لأنه هو دليل الِإقرارِ بعَيْنِه.


(١) غير واضحة في الأصل.
(٢) في الأصل: "عنا في".
(٣) ليست في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>