للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقالُ أيضاً لصاحب هذا الاعتلالِ: هل على فسادِ إنكارِ مذاهبهِم دليلٌ ظاهرٌ؟ وهل لمن أنكرَها سبيلٌ إلى معرفةِ خَطَئِه في إنكارِها؟ فإن قال: نعم، قلنا لهم: فكيف لا يَجبُ عليهم الإِشارةُ إليه والدَّلالةُ به؟ ثم نقولُ لهم: فهل على فساد إنكَارِ المالِ والدَّيْنِ دليلٌ ظاهرٌ؟ فإن قالوا: لا، قلنا لهم: فقد فَرَقْتُم بين الإِنكارِ، ويَلزمُكم أن تُوجبوا على صاحب أحدِهما الدَّلالةَ بدليلِه الظاهرِ، وأن تُسقِطوا (١) ذلك عن الَآخَرِ بغَيْبَةِ (٢) دليلِه، وإلا فما الفرقُ بين حضورِ الدليلِ وغَيْبَتِه؟ وما وجهُ المنفعةِ في حضورهِ ووجهُ الضرَرِ فىِ غَيْبَتِه.

واعلم أن المُدَّعىِ إذا لم يكنْ على صحةِ ادعائِه دليل ظاهرٌ، لم تَلزَمْه إقامةُ الدليلِ عليهما، وهذا يدُلُّ على أنه ليس من أجلِ الإِنكارِ والإِقرارِ ما وقعَ الاختلافُ في هذا الباب، ولكِنْ من أجلِ حضورِ الدليل وغَيْبَتِه؛ ألا ترى أن ما تُمكِنُ الإِحَاطةُ به من النفي، ويَحضُرُ دليلُه، تُسمَعُ البَيِّنةُ عليه، مثل قولِ المُدَّعىِ: إن هذا قتَلَ أبانا أمسِ في عَرْصَهَ الكَرْخ (٣). فيَنْفي (٤) المُدَّعى عليه القتلَ ببَيِّنةٍ تشهدُ بأنه أمسِ جميعَه كان فىِ حَبْسِ الحاكمِ، فإن قالوا: ولِمَ حَكَمَ اللهُ بإقامة الدليلِ على مَنْ يدَّعي المالَ دون من يُنكِرُه؛ قلنا لهم: هو أعلمُ به


(١) في الأصل: "اسقطوا".
(٢) في الأصل: "بعينه".
(٣) العَرْصَة: هي كلُّ موضع واسع لا بناء فيه. "اللسان" (عرص).
والكَرْخُ -بالفتح، ثم السكون، وخاء معجمة-: علم لعدة مواضع كلها في العراق، وأشهرها: كرخ بغداد. انظر "معجم البلدان" ٤/ ٤٤٧.
(٤) في الأصل: "فيفهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>