مِنَا، وليس جهلُنا لعِلةِ هذا التعبدِ مانعاً لنا من إفساد هذا الاعتلالِ؛ إذ كان الدليلُ على فسادِه ظاهراً، وقد يُمكِنُ -من غير قَطْعٍ بذلك- أن يكونَ سبحانه لَمَّا علمَ أن زوالَ المالِ عن الإِنسان دائمٌ في كلِّ حالٍ، وأنه لا سبيلَ له إلى مُلازَمةِ البيِّنةِ في جميعِ أوقاتِه ليَعرِفُوا ذلك، وأنه (١) لم يُشهِدْ في شيءٍ منها، فيَشهَدُوا له بصحةٍ إنكارِما ادُّعِيَ عليه من الديْنِ، فلذلك كُلفَ المُدَّعي إقامةَ البيِّنةِ على ادِّعائه؛ إذ لا ضَرَرَ عليه في إثباتِ الشهودِ في وقتِ دفْعِ المالِ، ولا على الشهودِ في تعبدِهم لأمرِه فيه، وقد تقوم البَيِّنةُ على المنكِرِ، فيدَّعي أن له بيِّنةً أخرى تشهَدُ به، وأنه مُكَلَّفٌ إحضارَها، وهذا أيضاً يُؤكِّدُ ما قلنا في لزوم البيِّنةِ على من ادَّعى دَعْوى مُقِرَّاً كان فيها أو مُنكِراً، واللهُ أعلم.