للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفروعِ-، فلا (١) يلزمُ المسؤولَ أكثرُ من إقامة دَلالَةٍ صالحةٍ لإِثبات عِلَّةِ الأصلِ وإن كانت شبهةُ السائلِ لا تزولُ إلا بالنصِّ.

وليس للسائل أن يَتحكَمَ على المُستدِل، ويقولَ: لا أقبلُ إلا ما يَرجِعُ إلى ضرورة، لأن سبيلَ ما كان أوَّلًا في العقل وما كان ضرورةً فيه سبيل واحدٌ في أنه كافٍ (٢) في العلم؛ لأنه يُعلَمُ به صِحةُ الأمرِ، فليس له أن يَتخيرَ طرقَ العلمِ، كما ليس له أن يتخيرَ من الأصولِ إلا ما يَرجِعُ إلى علم المشاهدةِ؛ لأن ذلك تَحكُّمٌ لا يَستعملُه المُنصِفُ، كتخيُّرِ الأمَمِ على الأنبياء أعيانَ المعجزاتِ، مع كونِ ما أتَوْا به- صلوات الله عليهم- كافٍ (٢) في خَرْقِ العاداتِ، حتى قال في تخيّرهِم ما لم يَقُلْ فيما ابْتَدأَ به من المُعجِز، فشَرطَ عليهم فى إنزال المائدةِ، فقال: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ١١٥]، والفرقُ بين الأوَّلِ في العقل وبين الضَرورةِ: أن الضَرورةَ لا يعترِضُها شبهةٌ، والأولُ قد تعترضُ عليه شُبهةٌ، والأولُ يُعلمُ بأدنى فِكرةٍ، والضَّرورةُ تُعلمُ بالبَديهةِ من غير فِكرةٍ.

وطرقُ العلمِ وإن اختلَفَتْ وكان بعضُها أجْلى من بعض فليس ذلك بمُخرِجٍ لها من أن تُؤديَ إلى العلوم بالمعلومات على ما هي بها، كما أن ما يُدرَكُ بالحواسِّ بعضُه أَجلَى من بعض، كالخَط الدَقيق،


(١) في الأصل: "لا"، ولعل الأنسب ما أثبتنا.
(٢) في الأصل: "كافي".

<<  <  ج: ص:  >  >>