أقولُ: إنه لو قاله في الفرسِ وامتنعَ في الحمارِ، لكان مناقِضاً من جهةِ المُعارَضِة، لا من جهةِ إجواءِ العِلَةِ.
ونظيرُ ذلك في الأمورِ الشرعيةِ: العَوَرُ في الاضْحِيَّةِ لا يجوزُ لأنها عَوْراءُ، فالعمى أولى أن لا يجوزَ في القياسِ، لأن فيها ذاك المعنى وزيادةً، وإن لم يَجُزْ عليها الاسمُ، وإذا قيل لنا: احكموا بالنَّصِّ، فإذا لم تَجِدُوه، فقِيسُوا عليه، لم يَكُنْ بُدٌّ من أن تُجْرى العمياءُ مُجْرى العوراءِ في أنها لا تجوزُ؛ لأنا إذا أُمِرْنا بالقياسِ، فقد دُلِلْنا على هذا.
وكذلك سبيلُ الماءِ إذا نَجُسَ بالمَنِيِّ، فهو أوْلى أن يَنجُسَ بالبَوْلِ، فهو أوْلى أن يَنجُسَ بالغائطِ في القياسِ، وليس إذا نَجُسَ بالبولِ، فهو أوْلى أن يَنجُسَ بالمنيِّ، وإن كان المنِيُّ يُغتسَلُ منه والبولُ لا يُغتسلُ منه؛ لأن مفهوم ذلك في الشريعةِ ليس من أجلِ عِظَم نجاستِه.
وإذا رَدًا لمجيبُ جوابَه إلى أولٍ في العقل يشهدُ بصِحًةِ الفرعِ الذي رَدَّ إليه، لم يَكُنْ للسائل أن يُطالبَه بالرَّدِّ إلى ضرورة، فإن أقامَ على ذلك، كان منقطعاً في حكم الجدلِ -أعني السائلَ-، لأنه مُطالِبٌ بما لا يَلزَمُ، مُصِر على ما يقطعُ الوقتَ على غير الطريقةِ، مستزيدٌ في غير موضعِ الاستزادةِ، فهو من الفروع بمَثابةِ مانع عِلَّهِّ الأصلِ، فدَلَّ عليها المسؤولُ بظاهر السَّمْعُ، فقال: لا اقنَعُ إلا بنَصٍّ. فإنه انقطاع من السائل، كذلك ها هنا؛ لأَن الذي عليه إذا رَدَّهُ إلى أوَّلٍ في العقل يقتضي العقلُ صِحَّتَه، فمتى اعتقدَ السائلُ بعد هذا أن المسؤولَ على شبْهَةٍ، فقد اعتقدَ ما لا يَلزَمُ إزالتُه بحكم الجدلِ وإن كانت شبهةً لا تزولُ إلا بضرورة -كما قلنا في مسائل