للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لا يجوزُ أن يكونَ الحقُّ في إيجاب الشيءِ وسَلْبِه، ولا في أن القولَ عليه صدقٌ والقولَ عليه كذبٌ؛ لأن ذلك متناقض، ولا يصحُّ [إلا] أحدُ النقيضين دونَ الآخرِ، إلا أنه يجوز أن يكونا جميعاً قد عدَلا عن طريقِ الحُجَّةِ، ويجوزُ أن يكونَ عليها أحدُهما، ولا يجوزُ أن يكونا عليها جميعاً؛ لأنه لا حُجَّةَ على الباطل.

وكلُّ جدلٍ فإنه ينبغي أن يُتحرَّزَ فيه من حيلةِ الخصمِ بإخراج السائلِ عن سؤاله والمجيب عن جوابه، فإن لذلك وجوهاً تَلْطُفُ، متى لم يتقدَّمْ في التحرُّزِ منها، حصلتِ المسألةُ من غير جوابِ، والجوابُ من غير زيادةٍ إلا الإِيهامَ.

ومن التحرُزِ في ذلك: أن يَنظُرَ السائلُ، فإن كان المسؤولُ قد أتى بمعنى الجوابِ محقَّقاً أو غيرَ محقَقٍ، كان له أن يُكلِّمه عليه ويُحاجَّه فيه، وإن لم يكُنْ أتى بمعنى الجواب طالبَه بذلك، وبَيَّنَ له أنه ليس يصحُّ أن يشرعَ في المُحاجةِ دون أن يُظهِرَ الجوابَ، فأمَّا المسؤولُ يأتي بحديثٍ اَخرَ ليس فيه معنى الجوابِ، فلا يصحُّ حِجاجٌ.

فأمَّا المجيبُ فينبغي له أن يتأملَ ما يعترضُ به السائلُ عن جوابه، فإن كان فيه شُبهةٌ تتعلَّقُ بالمسألةِ وتَتَصلُ بها أجابَ عنها، وإن أوردَ شبهةً، وافقَه على ذلك، وبَينَ له أنه لم يأتِ بمُتعلَّقٍ يَستحِق جواباً.

وكلُّ ما يحتالُ به الخصمُ من غير جهةِ إخراجِ السائلِ عن سؤاله، والمجيبِ عن جوابه، فالتَّحرُّزُ منه أسهلُ من التَحرزِ عن هذين الوجهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>