للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّ جدلٍ فإنه لا بُدَّ فيه من علم الاختلافِ في المَقالةِ وما يَعتمدُ عليه المُخالِفُ للحقِّ من الشبهةِ، أما المقالةُ: فلِتَتمكَّنَ من كسرِها، ولا سبيلَ لك إلى ذلك من غير أن تعلمَ ماهِيَّتها، وأما الشبهةُ: فلِتُداوي صاحبَها من الوجه الذي قد دخلت عليه البَلِيَّةُ فيها؛ لأن مثلك في ذلك مثلُ الطبيبِ الذي يُعابُ بما يَصلُحُ من الدواء.

وأولُ كلِّ جدلٍ: الاختلافُ في المقالة، وتحقيقُه: أن يكونَ أحدُ الخصمين فيه على المُوجِبةِ والآخرُ على السَّالبةِ، فإذا ظهرَ الخلافُ وقعَ الحِجاجُ بعدَه على طريقة السؤالِ والجواب، والسائلُ مُخيرٌ أن يْلزِمَ خصمَه ليُعجزَهُ عن الانفصالِ، أو يسألَهَ ليُعجزَهُ عن إقامةِ البرهانِ.

وكلُّ جدلٍ فإن الجوابَ فيه لا يخلو أن يكونَ مما يقعُ في مثلهِ الخلافُ، أو يكونَ ليس مما يقعُ في مثله الخلافُ، فإن كان ليس مما يقعُ في مثله الخلافُ، سقطتِ المطالبةُ بِلمَ وبالِإلزام من الوجه الذي لا يقعُ في مثله الخلافُ، وإن كان مما يقعُ في مثله الَاختلافُ، فلا (١) يخلو أن يكونَ مما يقتضيه العقلُ، أو ليس مما يقتضيه العقلُ، فإن كان مما يقتضيه العقلُ، سَقَطَتِ المطالبةُ فيه بلمَ، وبقيت المطالبةُ بالإِلزام، وإن كان مما يقعُ فيه الاختلافُ وليس يقَتضيه العقلُ، ساغت المطالبةُ فيه بلِمَ وبالإِلزامِ، فتدَبَّرْ هذا فإن عليه (٢) مدارَ الأمرِ في الجدل.


(١) في الأصل: "ولا"، والأنسب ما كتبناه.
(٢) في الأصل: "علته".

<<  <  ج: ص:  >  >>