وأما الكلامُ في الثاني؛ هو: أن تلفيق شهودِ الزنا والسرقةِ ليس بأمرٍ قوي لإِقامةِ حد الزنا والقطعِ في السرقةِ، وقد نوافقهم في موضعِ الاستحسانِ، ونخالفهُم أنه عُدِلَ بهِ عن القياسِ، بل القياسُ هو موضعُ الاستحسانِ، كقولهم: القياسُ أن لا يُباعَ على المفلِس ماله، لأنه مكلف، وإنما استحسنا في بيعِ دراهمَ بدنانيرَ، لأنهما كالجنسِ الواحدِ. فنقول: بل القياسُ من امتنعَ من أداءِ حقٍّ أخذَ به جبراً، إذا أمكن الاستيفاءُ منه.
وقد نُعارض مثل قولِهم بالاستحسانِ، بأن نقولَ: إن كان القياسُ اقتضى أن لا يجبرَ مكلف على بيعِ مالِه، فالقياس أن [لا](١) يضيعَ على مسلم حق.
ثم إنهم تركوا الاستحسانَ في مواضعَ، وأخذوا بالقياسِ فيها.
قالوا: لو أسلمَ رجل إلى رجل آخرَ في ثوبٍ ثم اختلفا، فقالَ صاحبُ السلم: هو هَروي، وقال المُسلِم: هو مَروي، تحالفا، فحلفَ من عليه السَلَمُ: ما هو هروي وتَبرَّأ. وحلفَ صاحبُ السلم: ما هو مروي، ورد عليهِ رأس المال، فإنْ أقامَ كلُّ واحدٍ منهما بينةً فالبينةُ بينة الطالِب، وإن اتفقا على الجِنس على أنه مروي واختلفا في المقدارِ، فقال الطالبُ: هو ستةُ أذرع في ثلاثة أشبار، وقال المسلم إليه: هو خمسةُ أذرع في ثلالةِ أشبار، تحالفا وترادا في القياس. وأما في الاستحسان فينبغي أن يكون القولُ قولَ المطلوب مع يمينه، فأخذ بالقياسِ وترك الاستحسان.