فيقول مخالفهُ: هذه آيةٌ مجملة؛ لأنَ الحجَّ ليس باشهرٍ، ألا تراهُ قال:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} فصرحت الآيةُ بأن الحَج غيرُ الأشهر؛ لأنَّ الحجَ لا يُفرضُ فيهنَ وهنَ الحَج. فلا بُدٌّ من معرفةِ المرادِ بالمضمرِ ما هو؟ هل هو إحرامُ الحج؟ أو أفعال الحج؟ إذ لهُ إحرام وأفعالٌ، فوجبَ التوقفُ إلى أن يعلمَ ما المرادُ به، وما هذا سبيلهُ فما وضحَ منه دليل للحكمِ المستدل عليه، فإذا شرعَ في الدليلِ على أنٌ المرادَ به وقتُ إحرامِ الحج، فإن كان بغيرِ لفظ الآيةِ تحققَ إجمالُها الذي ادعاة المعتَرض؛ لأن حاجتَه إلى الدلالةِ تفسيرٌ ومعرفة للحكمِ من غيرِ اللفظِ، وحدُّ المجملِ: ما لم يُعرفْ معناهُ من لفظهِ.
وإن حقَق من نطقِ الآية، أنَّ المرادَ به: وقتُ الِإحرامِ، فقد أجابَ. مثال ذلك: أن نقول: أجمعنا على أن الأفعالَ في أيامٍ وقوفٌ ورمي وطواف، لا تزيدُ على الأيام المعدودةِ، فلم يبقَ ما يتحققُ في الشهورِ، إلا الإِحرامُ يقعُ من شَوال إلى التاسع من ذي الحجة، فيجري كلُّ قبيل في يومٍ من هذه الشهورِ، فهو وقتٌ ممتدٌ لمن أرادَ الإِحرامَ، ولأنه نطق بما يعطي الِإحرامَ، وهو قوله: فَرَضَ، والفرض: الِإيجابُ والِإلزامُ، وهو الِإحرامُ، ولهذا عقَبه بالنهي، فقال: فمن فرضَ، فلا رفثَ، فعَقَب الفرضَ بفاءِ التعقيب لتجتنبَ المحظوراتِ، والذي يتعقبُه التحريم والتجنبُ إنما هو الإِحَرام، فأمَّا الأفعال، فإن جميعها يسبقه التجنب، فمثلُ هذا البيان رفعَ الإِجمالَ الذي ادَّعاهُ