للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْ يقال ما ذكرْته أنا في النظرِ. خاطراً، وهو: أنَّ صَوْمَ يومِ عاشوراء أول ما شُرِعَ بالنقلِ الصحيحِ،- حيث دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ فوجدهم يصومونه، فسألهم في أثناء النهار عن صومهم له فقالوا: هذا يومٌ نجى الله فيه موسى، وساقوا فضائِلَه فقال: "أَنا أَحق بأخي موسى"، أو قال: "بصِيامهِ" ثم صامَ ذلك اليَوْمَ وأمر بصيامه (١)، فلا يخلوا أن يكونَ فَعَلَ ذلك إيجاباً بوحْيٍ نزل بإيجابهِ فقد حَصَلَ الوجوبُ بالوحْي (٢) حيث أشْعِرَ بحالهِ في أثناءِ اليَومِ، فما تأخرت النية عن حالِ الوجوبِ، وما هذا سبيلُه كذا تكونُ نيَّتُه، كاستدارةِ أهلِ قُباء إلى الكعبة حيث سمعوا وإن كان الاستقبالُ شَرْطاً من ابتداءِ الصلاةِ المفروضةِ، لكنْ لمَا لم تُفْرَضْ على أولئك إلا في أثناءِ الصلاةِ؛ لوجودِ سَبَب الِإيجاب في أثنائِها، قُنع منهم باستقبالِها في أثناءِ الصلاةِ، فهذا علىَ أشد ما قَيل، وأنَه وَجَبَ لكن على هذه الصفة، وصَوْمُ شهرِ رمضانَ ليس من هذا القبيلِ، بل هو صَوْمٌ وُجِد سَبَبُ إيجابه قَبْلَ الشروع فيه، فكانت النيةُ فيه على حُكْمِ وَضْعِها في الواجباتِ كلَّها من الصوَم وغَيْرِهِ، وبهذا القَدْرِ انقطع القياسُ عليه.

وإن سَلكْنَا مَسْلَكَ أصحابِنا، فإنهم والمحققون من أصحاب الشافعيِّ لم يُقِروا بوجوبهِ وإنما كان تطوُّعاً، والتطوعُ ما زال في شَرْعِنَا نِيتُهُ من النَّهارِ، ولقياسِهم عليه جوابٌ يخُصُّهُ.


(١) أخرجه البخاري (٢٠٠٤) و (٣٣٩٧) ومسلم "بشرح النووي" ٨/ ٢٥٠ وأبو داود (٢٤٤٤) من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما-.
(٢) في الأصل: "والوحي": ولعل الجادَةَ ما أُثْبِتَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>